كم هي معاناة مرة أن يحكم عليك بالغربة الفعلية في وطنك، ثم لا تقف مرارة هذه المعاناة لتنحصر في دائرتك الشخصية، بل تمتد لتشمل أغلى ما عندك، أبناءك وبناتك. إن كنت مواطنا ذكرا فأنت لا تشملك هذه المحنة، أما إذا كنت مواطنة كويتية أنثى وقدر الله لك أن تتزوجي بغير كويتي من محددي الجنسية أو من غير محددي الجنسية، وكان استقرارك مع أسرتك في موطنك الذي ترعرعت فيه، فقد وقعت في ابتلاء شديد من صنع قوانين غير منصفة، تتجافى تماما وروح الدستور الكويتي. لا يحق لك أن تمتلكي بيتا كأختك المواطنة المتزوجة من كويتي، وإذا كنت، في غفلة من الزمن، قد امتلكت بيتا، قبل أن تشتد قسوة قوانين اللارعاية سكنية في تطورها السلبي، فبعد وفاتك لا تستطيعين ان تورثيه لذريتك، كما يقر الشرع الإسلامي.. لماذا؟.. لأنك أنثى، «وليس الذكر كالأنثى». وحتى الإصلاحات الترقيعية فيما يسمى بقانون الرعاية السكنية لا تتصالح معك إذ لا يحق لك أن تمنحك الدولة قرضا يؤمن لك سكنا كما المواطن الذكر، إذ ينبغي أن يكون نصيبك من القرض (والذي كونه قرضا ستعيدينه للدوله) أقل من نصيب الذكر، رغم أن سوق العقار واحد.. لماذا؟.. لأنك أنثى.. وهل فرق الدستور الكويتي بين الذكر والأنثى في المواطنة؟.. الدستور لم يميز بين المواطنين، بل نص في مادته الـ 29 انه لا يميز بين المواطنين على أساس الجنس، إذن أين المشكلة؟.. إنها في صياغة القوانين التي تمت بثقافة ذكورية تمييزية بجدارة. ومن أمثلة هذا التمييز الذي يتعارض مع الدستور ويتعارض أيضا بشدة مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها أو انضمت اليها الكويت أحقية المواطن الكويتي المتزوج من غير كويتية أن يمنح جنسيته لأبنائه منها، بينما لا يحق للمواطنة الكويتية المتزوجة من غير كويتي أن تمنح جنسيتها لأبنائها. والسبب في ذلك أن قانون الجنسية قد فصل على ما يسمى برابطة الدم، وهو تعبير واعتبار يمنح الجنسية بمفهوم النسب والقوامة، وهو اشتباه قد جانبه الصواب إلى حد كبير، منح الجنسية مسألة تختلف عن النسب ولا تتعارض مع قوامة الزوج، حيث انها مسألة مدنية خاضعة لحكم الدستور والقوانين الرشيدة النابعة من روح العدالة والإنصاف. الإنسان ابن الأرض التي نشأ فيها واستقر في ربوعها واجتهد في خدمتها وعمرانها، فهل يعقل أن نحكم على المواطنة المستقرة في بلدها مع أسرتها بأن يغادرها أبناؤها وتتشتت أسرتها لأنهم لا تحق لهم الإقامة كونهم غير كويتيين؟.. هل هذا ما أمرنا به ديننا الحنيف؟.. ودستور بلدنا الذي يبين في مادته التاسعة أنه يحفظ كيان الأسرة ويقوي أواصرها؟.. وفي مجال العمل إذا توفق ابن الكويتية لوظيفة تتناسب مع مؤهله الأكاديمي والفني، فإن راتبه تقريبا يعادل نصف راتب ابن الكويتي، أليس العقل وكذلك الإسلام يقر كل منهما أن الأجر ينبغي أن يكافئ الجهد وليس الجنسية؟.. إنها فعلا معاناة مرة قد أحدثت يقظة عميقة ليس فقط في شريحة المواطنات الممتحنات بهذه التحديات التي سلبتهن الأمن الأسري الذي كفله الدستور لهن، بل سرت إلى ضمائر كل من له قلب وينادي بالإنصاف والعدالة، أما ما هي مؤشرات هذه اليقظة وآليات حراكها؟.. فجواب ذلك يحتاج مقالا لاحقا.
[email protected]