كثير من أبناء هذا الجيل لا يعرف د. لويس سكدر ـ طبيب المستشفى الأميركاني ـ والذي ينتمي إلى أسرة عريقة في العمل الإرسالي والطبي منذ عدة أجيال، من تاريخ أسرة سكدر. قدم إلى الكويت عام 1939، وأشرف على العمل الإرسالي الطبي بعد تقاعد الطبيب ميلري.
حظي سكدر بحب وثقة حكام وأهل الكويت طيلة مدة خدمته في الكويت حتى وافته المنية عام 1975، وبمناسبة ذكر د. سكدر ـ مقال كتبه عام 1940 م في مجلة الإرسالية واصفا فيه تقاليد عيد الفطر في الكويت «الذي يتزامن مع نشر هذا المقال» وما فيه من عادات عززت أواصل الترابط بين أهل الكويت. فتحت عنوان «عيد مبارك» كتب د. سكدر: «في بداية مساء الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 1940م بلغ الإرسالية في الكويت أنباء رصد أحد الشهود من البادية الهلال معلنا رسميا نهاية صيام رمضان، وعليه فإن اليومين القادمين سيكونان أيام عيد الفطر والزيارات والاحتفالات في المدينة بكاملها في لحظات بدأت أجواء الفرح والبهجة، الزوجات الواحدة أو أكثر يبدأن الاستعدادات للعيد وترتيب البيوت والمضايف لاستقبال مهنئين أرباب الأسرة إضافة إلى الاعتناء بتهيئة الأطفال. من بين الذكور من يبدأ بإعداد الألعاب الورقية البسيطة أو المراجيح والدوارات والمحظوظ منهم من يملك دابة ـ حمير بيضاء ـ فيقومون بصبغ مواضع في جسدها وجهها بالحناء لتجميلها وجذب الراغبين لركوبها في أيام العيد.
كان من عادة الشيخ أحمد الصباح ـ حاكم الكويت ـ التواجد في المسجد الكبير في وسط المدينة منذ فجر يوم العيد، وبعد الانتهاء من الشعائر كان يمشي عبر مرتفع من الأرض وفي مسافة قصيرة إلى بوابة القصر مع بداية شروق الشمس وإطلاله النور من على أسطح البيوت العالية. هناك يقف في مقدم الصف الطويل للشيوخ مصافحا ومبتسما مهنئيه مكررا «عيد مبارك». كان رجال الإرسالية يصلون مبكرين قبل قدوم الشيخ وكان يصطف على جانبي الطريق المؤدي إلى بوابة القصر الحرس في زيهم الرسمي ومن خلفهم يتجمع جمهور مرتدين أفضل ملابسهم العربية ومن خلفهم على بعد مسافة مجاميع سوداء من ملابسهن يمثلن نساء الكويت حضرن إجلالا وتقديرا للشيخ. كان أول إشعار لنا بوصول الشيخ هو أخذ حرس البوابة وضع الاستعداد وسماع أصوات الابتهاج لجموع الناس على جانبي الطريق. وحين نظرنا لم نشاهد سوى مجموعة الحرس في ردائهم الطويل المزهر بالزينة والذي يتقاطع معه حزام الطلقات من على صدورهم ووسطهم (الإشارة هنا إلى الحرس الشخصي للحاكم ـ الفداوية)، ثم بدا في الوسط ماشيا في الطريق المبتل بمطر الليالي الماضية، وبكل بساطة ودون تكلف الشيخ ـ أحمد الجابر الصباح ـ حاكم الكويت ـ بادرنا بتهنئة الحاكم المبتسم وكل أفراد الأسرة المصطفين من ورائه ثم توجهنا بالسيارة إلى أهالي سكان المدينة في الجهة الغربية (أهل قبلة ـ تلفظ القاف جيم عند الكويتيين). كم هي عادة مثيرة في الكويت، ولعلها تعود أصلها منذ قدم نشأة المدينة بأحيائها الضيقة وإطلالها على سواحل جون الكويت، حيث تعارف الناس، ولتسهيل واجب الزيارة في العيد بمبادرة أهل شرق بزيارة أهل قبلة في أول أيام العيد ثم يقوم أهل قبلة بزيارة أهل شرق في اليوم الثاني. في كل بيت تزوره تشاهد الكثيرين ممن يقومون بواجب الزيارة مثلنا حيث يتبادلون التهاني ويشربون القهوة المرة ويتطيبون برائحة البخور وبماء الورد من المرشة، وفي اليوم الثاني نعيد الكرة في الجانب الشرقي وفي البيوت المحيطة بنا بعد أن نتشبع من شرب القهوة ومن رائحة الطيب.
٭ انتهى المقال: لقد رسم د.سكدر في مقاله صورة بانورامية لبعض مظاهر عيد الفطر في الكويت قديما ووثق عادات التواصل بين أهل الكويت وحكامهم منذ القدم فكانوا بتلك اللحمة سدا منيعا لأطماع الحاقدين والحاسدين.
[email protected]