أخي - أدام الله توفيقك وجعل الحق طريقك - يعلم الجميع أن الله عز وجل خلق الناس، وجعل لهم الآجال طويلها وقصيرها، وكتب أقوالهم وأعمالهم، وهو سبحانه وتعالى الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، فالانسان يولد صغيرا، ثم يكبر حتى يبلغ اشده، ثم يكتهل، ثم تبدأ علامات الشيخوخة في الظهور على كل ذي عينين، اذ تطل من أعلى الجسد منبهة لأمر لا بد منه، ولا يحول دونه حائل ألا وهو الموت الذي يوافينا في موعد محدد غيب الله سبحانه وتعالى عنا علمه، وما بين الموت والولادة رحلة قد تقصر او تطول، فإن قصرت فالله أولى بصاحبها، وان طالت فلا بد من المرور بالمحطات المرسومة التي وضعت للبشرية جميعا.
قال تعالى: (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون.. غافر 67).
أيها - الودود - إطالة العمر تكون بالعمل القليل ذي الأجر الكبير، فالأيام تمر عجلى، والسنون تنقضي سراعا، وأيام الدنيا معدودة، والاريب هو الذي يطيل عمره لما بعد الموت بعمل صالح، فقراءة سورة الاخلاص تعدل ثلث القرآن وقيام ليلة القدر يعدل الف شهر، وصلاة في المسجد الحرام بمائة الف صلاة فيما سواه، ولن أطيل فتأمل.
قال ابن الجوزي في «صيد الخاطر» 114: «دعوت يوما فقلت: اللهم بلغني آمالي من العلم والعمل، وأطل عمري لأبلغ ما احب من ذلك، فعارضني وسواس من ابليس، فقال: ثم ماذا؟ أليس الموت؟ فما الذي ينفع طول الحياة؟ فقلت له: يا أبله، لو فهمت ما تحت سؤالي لعلمت انه ليس بعبث، أليس في كل يوم يزيد علمي ومعرفتي، فتكثر ثمار غرسي يوم حصادي؟ أفيسرني انني مت منذ عشرين سنة؟ لا والله، لأني اعرف الله تعالى معرفتي به اليوم، وكل ذلك ثمرة الحياة التي فيها اجتنيت أدلة الوحدانية وارتقيت عن حضيض التقليد الى يفاع البصيرة، واطلعت على علوم زاد بها قدري، وتجوهرت بها نفسي ثم زاد غرسي لآخرتي.. فيا ليتني قدرت على عمر نوح، فان العلم كثير، وكلما حصل منه حاصل، رفع ونفع».
عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن طال عمره وحسن عمله» صحيح اخرجه الطبراني وصححه الألباني في «صحيح الجامع» 3928.
ولا أنسى ان اسجل في حركة الحياة موقفا لقصة رجل تسمى بــ«غرسة الشيخ» وملخص هذه القصة ان رجلا شيخا هرما مر به آخر فسأله ماذا تصنع؟ فقال ازرع شجرة، فقال له: انك لن تبقى حيا حتى تأكل من ثمرها، فان عمرك قد ولى، فأجابه الشيخ بقوله: زرعوا فأكلنا، ونزرع ليأكلوا.