هناك صنف من البشر تجد قلبه من حجر، وأعصابه كاللهب، ووجهه كالحديد وطبعه كالسيف، صعب العريكة، قليل الكلام، يفر من الناس والناس تفر منه، وهناك صنف قلبه كالنهر يفيض محبة، حليما، رحيما، وجهه كالشمس، وطبعه اللين يجذب الناس كالمغناطيس، ومنهم من جمع بين الاثنين، فسبحان من خلق وجعل النفوس أمزجة تختلف، وقد حمل هذه الطباع رجال امتلأت جنباتهم عظمة ورهبة حتى أنه لتنوء عن حملها الجبال وتخر لها الرجال، ومن أصناف هؤلاء ظهر لنا زعماء وقادة وعلماء وأدباء ومفكرون، غيروا مجرى التاريخ على مر الزمان، ومن هنا نتساءل: من ساءت سريرته وطغت شهوته وطاشت يده أيكون هذا بعامل الصدفة؟ وكذلك من صفت سريرته وهذبت شهوته وفاضت يده خيرا ورحمة أيكون هذا حظا وصدفة أم أن كلا منهما جبل على هذه الطباع؟
دعونا نتعمق في هذا الموضوع أكثر، نقول وبالله المستعان إن هناك من طغى خيره على شره، ومن طغى شره على خيره، ومن هنا تظهر الحيرة ويثار التساؤل: كيف أصبح هذا طيبا وهذا خبيثا كيف أصبح هذا علما يهتدى به وهذا علما يضل من يتبعه؟ إن الدين الحنيف وعلم النفس والفلسفة قديما وحديثا أثبتت أن أصل النفس طيبة خيرة، وان كانت هناك نظريات تخالف هذا الرأي فهي قليلة، أما من ناحية الدين فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه»، ويقول الله عز وجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).
وكلمة الفطرة هنا تعني أن يولد المرء على دين الإسلام الذي هو دين الخير والعدل والرحمة، هذا هو ما آمنت به واستقر عليه عقلي بعد التجربة والبرهان. فيا أيها القراء، من أراد منكم أن يصبح لبنة صالحة في المجتمع أو أن يكون قائدا أو عالما أو مميزا فعليه أن يختار من يرافقه ويصاحبه بعناية، فقد قال بعضهم «قُلْ من تصاحب أَقُلْ لك من أنت» فهم خير معين لك فبهم تسمو بنفسك وبهم تذل، وأسأل الله العلي العظيم أن يهيئ لحكامنا وزراء عمر ويجنبنا وزراء يزيد وما أكثرهم.