بالأمس القريب صعقت أسماعنا بفاجعة ومصاب إخواننا ببلاد باكستان، ففي ليلة وضحاها أمست تلك الدولة بحرا وأمواجا تتلاطم على البيوت والأجساد البشرية العارية فخطف الموت أرواحهم وسرت ندوب الدهر فيهم، فهم ما بين ميت ومتألم ومصاب، وقد دخل علي من وقت قريب رجل من أهل تلك البلاد المنكوبة يستجدي المال مني وهو يصف ما حل بأهله هناك ثم وقف واستعبر ونظر إليّ نظرة بلغت في نفسي مبلغا ما كانت لتبلغها ألف موعظة وموعظة تلقى علي من أجلّ الخطباء فلم أملك إلا أن أعطيته بما جادت به نفسي فما بالكم بمن رأى والتمس وضعهم هناك بنفسه فالمعاين ليس كالمخبر كما يقال، وقد رأيت في الشاشة أناسا قد سكبت الدمع على الدمع وأرواحا تفيض نفسا بعد نفس ورأيت جزع الوالد والوالدة على الولد والمشرد من البيت والبلد، فهم والله كما قال شاعر الزهد والحكمة أبو العتاهية:
إلى الله فيما نالنا نرفع الشكوى
ففي يده كشف المضرة والبلوى
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها
فلا نحن في الأموات فيها ولا الأحيا
وقد مات في فيضانهم هذا قرابة 1100 قتيل وهم في ازدياد وأكثر من 14مليون متضرر وخسائر تقدر بالمليارات فمن لهم غير الله ومن ثم أهل الكويت المعطاء أصحاب الأيادي البيضاء اخواننا اليوم يستغيثون وينادون فهل من مجيب فقد استنجدت امرأة يوما بالخليفة المعتصم بالله وهي تقاد أسيرة لدى ملك الروم فصاحت بملء فمها وامعتصماه فاستنهض لها جيش الأمة كله وحررت أفلا نستجيب نحن ونعطي من أموالنا لإخواننا هناك وهم يقادون إلى الموت ويصرخون واإسلاماه؟! ولك أخي الحبيب في تاريخنا المشرق أسوة فهذا عبدالله بن المبارك التابعي الجليل كان يحج سنة ويغزو سنة فلما كانت السنة التي يحج فيها خرج بخمسمائة دينار الى موقف الجمال ليشتري جملا فرأى امرأة على بعض الطريق تنتف ريش بطة فتقدم اليها وسألها ماذا تفعلين؟ فقالت يرحمك الله انا امرأة علوية ولي أربع بنات مات أبوهن من قريب وهذا اليوم الرابع ما أكلن شيئا وقد أحلت لنا الميتة فأخذت هذه البطة أصلحها واحملها الى بناتي فقال عبدالله في نفسه ويحك يا ابن المبارك اين انت من هذه؟! فأعطاها كل الدنانير التي كانت معه ورجع إلى بيته ولم يحج هذه السنة وهذا من عظيم فقهه في الدين رحمه الله فقد ترك حج بيت الله الحرام مقابل إنقاذ هذه الأنفس لأنه فهم معني قوله تعالي (من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) وطبقها على حياته ولا تستحقر أخي الكريم صدقتك مهما كان مقدارها فقد قال صلى الله عليه وسلم (اتقوا النار ولو بشق تمرة) واعلم أن لك هدية في الدنيا وفي الآخرة أما في الدنيا فستجد لذة وراحة في نفسك لا تبلغها ملذات الدنيا كلها وأما في الآخرة فمغفرة وأجور وجنة سرور فبادر أخي الكريم لتحظي بالأجر العظيم.