ها هو هلال العيد قد استوى باسما في السماء يزف البشرى للبشرية جمعاء معلنا عن بداية الأفراح والليالي الملاح، إلا أنا المسكين من بين الناس تنقص فرحتي مع مرور كل عيد من الأعياد، وأنا لهذا الأمر حيران، أيكون ذلك بسبب عدم وجود شيء جديد، وأن مظاهر أفراحنا بالعيد ستكون نفس المظاهر التي اعتدنا أن نقيمها في كل عيد، أم أن الأمر غير ذلك؟ وذهبت أصول وأجول بين الأهل والأحباب لعلي أجد عندهم الجواب فما خاب من استشار، فقالوا لي البس الجديد وزر القريب والبعيد ففيه الفرحة والوصال وإصابة البغية التي تريد أن تنال، فلم يغنني من ذلك شيء، فقالوا إذن السفر إلى بلاد الغريب ففيه تنفيس وراحة ومناظر جميلة خلابة، فلم أجد ضالتي في هذه أيضا، فسئمت ومللت من السؤال وأعياني تفكيري وبدا أن آخر الأمر هو كما قال شاعرنا المتنبي:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد
وجلست أقلب صفحات الماضي الغابرة رغم هذا الذهن الكليل حتى هداني إلى تذكر أيام الطفولة حيث كان للعيد طعم ولذة ومسرة وفرحة حيث كنت والله أترقب العيد حتى لا يكاد يغمض لي جفن في ليلته من فرط السعادة بمقدمه، فما السر يا ترى؟ السر أنني كنت أنام وملء جفوني الرضا، وقلبي صاف كصفاء قطرات الندى على أوراق الشجر، لم تغمره مشاغل الدنيا ولا أدرانها، كان القلب يفيض محبة ورضا على الناس فأستحق بذلك رضا رب الناس والطفل يولد مفطورا على الخير والمحبة ولكنه يتغير حسب الظروف ومرور الزمان فكلما زاد عمرك زاد اشتغالك بالدنيا حتى إذا باتت شغلك الشاغل عندها يطمس على قلبك فلا تعود تبصر حقيقة العيد ولا غيره، وهذا ما حدث معي أن العيد الحقيقي هو كما يصفه الشيخ علي الطنطاوي، فتمعن في وصفه «يأتي العيد فتراه يوما ليس كالأيام، وترى نهاره أجمل، وتحس المتعة فيه أطول، وتبصر شمسه أضواء، وتجد ليله أهنأ وما اختلفت في الحقيقة الأيام في ذاتها، ولكن اختلف نظرنا إليها، نسينا في العيد متاعبنا فاسترحنا، وأبعدنا عنا آلامنا فهنئنا، وابتسمنا للناس وللحياة فابتسمت لنا الحياة والناس» الحقيقة أيها السادة الكرام أن العيد هو عيد القلب عندما تنظر للعيد بعيون قلبك لا بعيون المادة والحواس، عندما تحسن إلى الآخرين في هذا اليوم وترى عيونهم تبرق بالشكر والحب والسعادة وألسنتهم تلهج لكم بطول العمر، ولأولادكم بكمال النعم، عندها فقط ستبصر بهجة العيد وفرحته.
[email protected]