بدأتُها في المقال السابق وأضع بعض التفاصيل هنا.. وأهم ما لحظتُه أن بعض الجمال نقمة، ومثلما الجمال نسبي، لا يمكن أن نضع تعريفاً أو رسماً لما هو جميل، فلكل عين بصيرة، ولكن بعض الصفات متفق على أنها مؤشر جمال، وهذه ما امتلكتها كلها الفتاة مثال مقالنا وموضوع الحكاية.
كل شيء إن زاد على حد معين يصير وبالاً على أصحابه، هل هي نظرية أم منطق أم قول؟ لا نعلم كثيرا مما نتناقل ونتبنى، الأمثال تنتشر بين الناس كالنار في الهشيم وهي عابرة للزمن، ومنها أن الجمال قد ينعكس وبالاً على صاحبه، سيدنا يوسف مثال لا ريب.
«جميلة» قصتنا افتقدت خصوصيتها، وكثيرون تعدوا حدودهم لإشباع الفضول فتسلقوا أسوار حياتها، وهذه إحدى أسوأ عادات البشر اعتبار «الشيء الجميل» مشاعاً يمكن لكلٍ لمسه او اشتمامه أو الاستمتاع به، فكيف لو كان هذا لامرأة؟!
نعود لذات المعاناة، جذورها في التربية ونتاجها أزمة أخلاق وبيئة ومجتمع، سمح بأن يُرى البعض مثل ملكية عامة فقط لأن لديه صفات إيجابية مختلفة، وما عاد فيه من ينكر هذا المنكر.
بسبب ضغوط أسرتها، تزوجت بعد أن أنهت الثانوية من ديبلوماسي وسافرت معه، أنجبت من الذكور والإناث لتزين حياتها وأسرتها، وفجأة وبلا تدرج طلقها زوجها ليتزوج بأخرى، لم تعلم السبب ولم تُعط خيار البقاء على ذمته أما لأولاده.
ولمصلحة الأبناء أن يستمروا في مدارسهم في دولة عمل الأب، رجعت «الجميلة» وتركت الوحش الذي انتزع من كبدها قطعا بعدد الأبناء الذين خلفتهم مضطرة في بلد بعيد.
عادت إلى الكويت ولكن قلبها مشرد بلا وطن.
لم تستكمل الدراسة الجامعية بسبب زواجها وتفرغها لأسرتها ولم تجد عملاً كذلك، لقد عادت بعد ما يفوق خمسة عشر عاماً فإذا بالتغيير قد ضرب أطنابه في كل زوايا الدولة.
صار مبدأ العمل صعبا بالنسبة إليها، واستكمال الدراسة بعد توقف يتطلب شهادة ثانوية حديثة، ولا تجد ما تنفق، وكان الإخوة الذكور والأم ما زالوا يتحكمون في «جمالها» فعُرضت للزواج مرة أخرى، وهذا كان تعبيرها بلسانها وليس كما أرى أنا.
تزوجت من أسرة كبيرة جداً، أكثر غنى، ورجل أكبر منصباً ولكنها كانت الزوجة الثانية، فبدأت المعارك مع الزوجة الأولى وأبنائها، دسائس احتملت معها رائحة البيض الكريهة التي تلتصق بالجسد، بعد أن نشطت المجموعة المساندة للزوجة رقم واحد بقذفها بها في كل مجلس نميمة وعرس وعزاء.
أما زوجها فقد أراد الزواج بغير زوجته، ولكنه غير مستعد لتحمل مسؤولية قراره، خصوصاً الضغط العائلي والمجتمعي والوظيفي أيضاً، فتركها تواجه التسونامي، بلا درع الزواج الواقية: القوامة، المودة والرحمة، وبالرغم من كل المكائد أنجبت طفلين.
الطابور الخامس يزداد اصطفافاً وترتيباً وتنظيماً ضدها، وهي لا ملجأ لها ولا منجى، أمامها حياة يجب أن تكملها، وخلفها حياة انتزعت منها واقتطعت جزءا من اطمئنانها وسعادتها، وعن يمينها أسرة خذلتها ومازالت، ويقف على شمالها زوج شامخ في كل شيء إلا في نصرتها ومساندتها كان هو الضعف يتجلى.
كنتُ أتمنى أن تسعفني المساحة، ولكنها لم تفعل.
سأكمل قصة الجميلة والطابور الخامس في المقال المقبل.
kholoudalkhames@