لم تدمر وزارة الصحة في الكويت مثلما حدث في عهد الوزير في الحكومة السابقة، وتمرير مشروع «عافية» في ميزان سيئاته ولو كان لدينا نظام لحساب ومحاكمة الوزراء لقضى تقاعده في السجن!
لن أتكلم عن الخدمات التي استمرت في التراجع، ولا عن التعيينات والترضيات، ولا عن فضائح العلاج في الخارج، بل عن أكبر إراقة للمال العام شهدتها ميزانية الوزارة: التأمين الصحي للمتقاعدين «عافية». وهو خدمة من الدولة تقدمها للمتقاعدين تدفع لهم بموجبها رسوم تلقي العلاج في القطاع الصحي الخاص عبر اشتراك الدولة المباشر مع شركة التأمين.
82 مليون دينار كويتي كلفة عام واحد دفعتها الدولة للشركة في مقابل الخدمة سواء استخدمها المتقاعد أم لم يستخدمها، لماذا لا تدفع الدولة فقط ما يستخدمه المتقاعد من المبلغ المخصص لتغطية نفقاته العلاجية؟!
وفي كتيب الإرشادات انتقاء فاضح لمستشفيات وعيادات «محددة» ما السبب؟! إن كان لتطبيق النظام فذلك ممكن بوضع آليات للرقابة اللاحقة ومتابعة تنفيذ معايير الجودة، وتلك الآليات متاحة عالميا لا نحتاج سوى إلى قص ولصق وتنفيذ، فلماذا الانتقائية إذن؟!
تحدثوا كثيرا عن الاستثناءات التي لا يغطيها تأمين «عافية»، والحقيقة أنه من غير المنطق استبعاد بعض الأمراض من التأمين، وكأن الصفقة تم «سلقها» لاستعجال إغلاقها قبل حلّ المجلس واستقالة الحكومة، فثغرات الشروط والاستخدامات كثيرة وأي طبيب مبتدئ يعجب من إقرار بعضها للمتقاعد والتي تحتاجها قلة من الفئة كالولادة للنساء، ورفض البعض الآخر الذي يعتبر مطلبا هو في أمس الحاجة إليه مثل: الفحوصات العامة الدورية، أطقم الأسنان والعكازات وسماعات الأذن، علاج صعوبات النوم، الأمراض المصاحبة للشيخوخة! إذا كان تأمين المتقاعد، ويفترض أن عمره يبدأ من 40 عاما، لا يغطي نفقات الأمراض المصاحبة للشيخوخة، التي صارت تصيب الإنسان مبكرا في هذا الزمن، فهو عافية «على قلب» من بالضبط؟!
أما الحملة الإعلانية المكلفة في جميع شوارع الكويت للترويج لتأمين «عافية» فلم أكتشف سببها! فئة محددة لن يزيد الإعلان عددها ولن ينقصها عدمه، لماذا ننفق مئات الألوف لنخبر عن انطلاقها إذن؟!
لا هي للتسويق، ولا لزيادة الشريحة المستفيدة، إن كانت للإخبار والإعلام فقط فمن المفروض أن يكون ذلك عبر أجهزة الدولة الرسمية الإعلامية، تلفزيون ومطويات في المستشفيات والمستوصفات ومراكز العلاج والجمعيات التعاونية، وغيرها من الوسائل المجانية، ولا تتحمل كلفتها ميزانية الوزارة.
إدارة مؤسسات الدولة للأسف تعاني من شح في الإخلاص ووفرة في «الحرمنة»، ولو أي متقاعد «قليل الوعي» وسبق أن عانى من ظلم وزارة الصحة، مثلا رفضت علاجه في الخارج وشعر بالغبن، يمكنه أن يتفق مع مركز طبي أو مستشفى «مأجر» ضميره 99 عاما قابلة للتجديد، فيبيع البطاقة ويقتسم معها «الكاش» والفواتير أسهل من إصدارها «مفيش» وكل شيء يمكن «طمطمته» وبالقانون، بوجود محامي الدولة الذين تفوقوا في خسارة قضاياها وتكبيدها الأموال لقلة كفاءة أغلبهم!
للأسف، في وطني مليارات على موائد التقسيم النوعي للثروة، وحظ شعبي كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه..!
مع الاعتذار من الشاعر السوداني إدريس جماع.
kholoudalkhames@