بدأت اسطنبول منتصف هذا الشهر مشروعاً لافتاً، في خطوة لتوفير الأمن للأهالي، وأطلقت عليه «نسور الليل» وهي مجموعة من الحرس الليليين يشاركون رجال الأمن العمل لبث الطمأنينة بين الأحياء وقد دُرّبوا منذ فبراير الماضي للتعامل مع المهام الخاصة بالشوارع منذ غروب الشمس حتى شروقها ستة أيام في الأسبوع.
أعجبتني الفكرة وأعجبني أكثر إقبال الشباب التركي عليها ما يعكس روح المسؤولية الاجتماعية، حيث تقدم للمشاركة ما يقارب ثمانية آلاف مواطن تم انتقاء من نجحوا في الاختبارات النظرية والعملية، وسيرافق كل نسر في المرحلة الأولى رجال الشرطة الذين ينظمون دوريات في ساعات المساء في الأحياء والأزقة، للتعرف أكثر على طبيعة العمل والتدرب الميداني تحت الرقابة.
اللافت أن من ضمن مهام «نسور الليل» بالإضافة إلى عملهم الأمني الجدي كسب ود الأهالي ومحبتهم، وفي حالة نجاح نظام الحراسة الليلي سيعمم في جميع ولايات تركيا.
قرأت هذا الخبر وقد انتهيت للتو من التسوق ومررتُ بالمقهى الملحق بالجمعية التعاونية، وكانت نسبة إشغاله مائة في المائة وكلهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14و25 وجميعهم يجلس ووجهه ساقط للأسفل يتابع جهازه الذكي ولا يعلم عمن حوله في الواقع لأنه مشغول في العالم الافتراضي.
هؤلاء الذين شغلوا تفكيري عندما قرأت خبر «نسور الليل»، تمنيت لو لدينا مشاريع مماثلة للشباب تشركهم في حفظ أمن الوطن وتحملهم مسؤولية الأرواح والأموال والمنشآت من جهة، ومن جهة أخرى تجعلهم بمواجهة السلوكيات السلبية، التي ينتهجها بعضهم، فيضطر للسيطرة على نفسه بما أنه يمثل الدولة ومع الوقت يتخلص من كل الأسباب التي تؤدي إلى تلك السلوكيات وعلى رأسها الفراغ ثم الشعور بعدم المسؤولية عن أي شيء حتى عن اختياراته لسلوك غير مقبول واعتبار أن الدولة والمجتمع والعائلة السبب، كحال أغلب الشباب الذي يمتلك كل منهم شماعة لقميص الأعذار.
المشكلة أن هناك شقاقا بين الشباب ورجال المرور والأمن في وزارة الداخلية لأنهم يلاحقونهم ويكيلون لهم بالأوراق الصفر ومساحات التفاهم بينهم تضيق ولا تتسع، لذلك أقترح أن تتبنى الدولة عبر أي مؤسسة رسمية غير الوزارات استثمار طاقة وقوة ووقت الشباب لمشروع شبيه «بالنسور» على أن يتم تدريبهم وتهيئتهم وتحديد رواتب جاذبة ومنطقية لا إفراط فيها ولا تفريط بل قوام يحفظ حقوق الطرفين، الدولة والمواطن.
يمكن تفعيل المختاريات في المناطق بدلاً من دورها البريستيجي المحدود واللامؤثر، لتقدم فيها الطلبات وتفرزها وفقاً لمعطيات تعدها الجهة المتبنية لتطبيق الفكرة عبر نظام أساسي.
هذه المقالة ليست إلا حديث بصوت منطقي للمسؤولين، وتبني لصيحة طلب نجدة من شباب عجزت أصواتهم أن تصل إلى متخذي القرار، وهو جزء من مسؤوليتنا الاجتماعية تجاههم.
نحتاج إشغال الشباب بالنافع لحل أزماتهم التي تؤثر على الأسرة ثم المجتمع ثم الدولة، مثل التسرب الدراسي وسوء استخدام المرافق والسباقات الليلية في الميادين غير المعدة لمثل هذه الرياضة ناهيك عن الإدمان على التدخين ومشروبات الطاقة المعروفة نتائجها وآثارها على الجسد والعقل، أيضاً للحد من التسكع في المقاهي الحاضنة للفسق والفجور والتي تفتح بالسر 24 ساعة رغم قوانين الإغلاق لقلة الرقابة أو انعدامها من جهة ولسهولة الرشاوى من جهة أخرى.
وفي التفكير الاستراتيجي فإن الإعداد الإيجابي للشباب إحدى دعائم حفظ الأمن الوطني، فهل من مهتم؟
kholoudalkhames@