أحب شهر نوفمبر، وتزامنه مع معرض الكتاب في الكويت زاده ألقاً.
شهر «يبرد» فيه طقسنا وتلفح وجوهنا نسائم الشتاء مبشرة به، نعم، وأيضا تذكرت جلساتنا في إسطنبول على ضفاف البوسفور حيث كوكبة من الإعلاميين والمثقفين من تيارات وتوجهات عدة، نتبادل الخبرات والتجارب وعرض ثقافات القارات والدول، والأجمل على الإطلاق أن تمتزج الأفكار التي من كل حدب في عاصمة لا تعرف إلا الجمال.
وأقول اسطنبول لأن أغلب الدعوات التي توجه لي بصفتي كاتبة وروائية أو كما يدعون «مثقفة» لم تتكرم بها مؤسسات بلدي الكويت الثقافية والإعلامية، بل من اسطنبول حيث الزملاء من حول العالم كل يمثل بلاط صاحبة الجلالة، ولكن من منظور أعم من الصحافة وأشمل من الإعلام التقليدي.
أما معرض الكتاب في الكويت: عن نفسي أراه أهم مهرجان ثقافي ترعاه الدولة كل عام، لذلك لدي تحفظات شديدة على ما يرافقه من فعاليات وندوات لما فيها من محاباة ومجاملات وتكرار للشخصيات وذات الطرح والمواضيع ولا إبداع أو جديد.
وبالطبع يستبعد أمثالي من ذوي الآراء الجدلية أو المواقف السياسية المخالفة للتوجهات الرسمية، وتلك الممارسات الانتقائية تقصر قامة الحدث وتقزمه أمام المعنيين بالمشهد الثقافي الزائر والمحلي على سواء.
ولا أتحدث هنا عن العامة التي تمارس «الكعب الداير» في ممرات المعرض وكأنها تسير على خشبة عرض أزياء تتخايل بالمكياج، فهذه فئة يصعب عليها التفريق بين الغث والسمين، والمستحق والمجامل، لكن أكتب هذه السطور لمن يريد أن يتبين الناس الفرق بين الجمال والتجميل.
الكتابة موهبة لا شك تسبقها القراءة المتمرسة وتصقل بالدربة ثم تخرج نتاجك بلا خجل من الشجرة على سوء استخدام الورق!
لكن الفقرة أعلاه لا أحد يلقيها بالا، أسوأ ما يعرض في الفعالية هو أكثر ما يلقى إقبالا!
مع تحفظي على ربط الجودة بالكثرة، إلا أن بعض المواد تعتبر جودتها بالإقبال على شرائها، بينما في حالة الكتب فإن السلعة هي: الفكر، العلم، الثقافة، فقد وجدت إبداعات لا تحصى في كتب الأطفال كم استخدم الكاتب والرسام مجهودا وأموالا لتخرج بالجاذبية القصوى مع الاحتفاظ بقيمتها التربوية والغرض من نشرها، من فقر الإقبال عليها تمنى البائع لو يوزعها مع قارورة ماء بارد لعلها تجد رواجا!
ووجدت أغلفة تحمل مسميات «رواية» حاشا أن تكون كذلك أو حتى أقل، ويقف من يقف بطوابير لا تجد الخصوصية حتى لتستنشق الهواء، كل رجل مندس في إبط امرأة والعكس، منظر يسبب الغثاء حيث لا حياء ولا خجل ولا حتى احترام لحق النفس بمسافة تحفظ لها منطقة الأمان!
برأيي الرقابة مطلوبة لضبط الأدب من الإسفاف، ولحجب الفكر الشاذ من سرطنة عقولنا، وللحفاظ على القيم الدينية من الهدر والتفريط، وكرامة أفراد المجتمع من التيه العلمي الذي يتمناه بعض المفكرين، وتتبناه المحافل الدولية تحت مظلات مشروعه لتدسه بمعارضنا الثقافية، يعلمون أننا خير من يستلذ بالسم المحلى بالعسل، لأننا نستمتع بالجهل بالنكهات الدخيلة!
بالنسبة لي، لم أدخل معرض الكتاب هذا العام إلا مرة واحدة حضرت فيها فعالية واحدة، ورأيت النفاق ورفع أشخاص لا يليق بهم إلا الحضيض كحمم بركانية لا تقدر على إيقافها فرق الإطفاء، وأن من السلامة الابتعاد عنها كما فعلت، فإما ذلك أو أكون من أهل النفاق ومعينة عليه إن كررت الزيارة.
أعذروني لحدة الطرح، لم أعتد على تزيين البشاعة ولي المفردة وتزييف المشهد بمصطلحات تجميلية لأكسب جميع الأطراف، فمن يحاول ذلك يخسر قضاياه، والثقافة بالنسبة لي قضية كبرى، وفي القضايا الكبرى لا توجد منطقة وسطى.
kholoudalkhames@