شاهد أي مسلسل أميركي أو فيلم (عن الجواسيس أو الأكشن أو السياسة أو الحرب...) حتى الوثائقيات تلاحظ أن العامل المشترك الاستغراق في التعقيدات فيضيع المشاهد لمدة العرض وما أن ينتهي يخرج بـ: لا أعلم ماذا يقصدون بهكذا، ولا أدري إن كان الهدف كذا، وقد تكون القصة حقيقية هي... وإلى ما لا نهاية في التحليلات والتوقعات بسبب احتواء العمل على تفاصيل وتفرعات مبالغ فيها.
تشير أحد بروتوكولات صهيون إلى مثل هذا (إغراق العدو في التفاصيل) لصرف الانتباه عن مشروعها والبعض يذهب لتكذيب البروتوكولات برمتها، والبعض الآخر يقارنها بواقع السلوك الصهيوني ويؤكدها، لا يهم، ما يعنينا أننا كعرب ومسلمين أعداء معلنين لليهود الصهاينة، لذا نكون في مرمى الهدف، وقد نجحت البروتوكولات، بجرنا لقاع الانشغال بدقائق الأمور والتي قد لا تكون تعود بفائدة لنا خاصة ولأمتنا عامة وإفراغنا من محتوانا الحقيقي: الإنسانية، واستنفاد طاقاتنا باللاشيء.
مثلا لا حصرا: من شاهد مسلسل 24 و«هاوس أوف كاردز»، فيلم مقتل كينيدي وشفرة ديفنشي، بعد نهايتهم يشعر أنه خرج من سباق ولكن هل استفاد شيئا؟
هذا يستعرض تكنولوجيا استخباراتية رفيعة بتفاصيل لا تهم المشاهد العادي، وآخر يتناول أعمال السياسة القذرة في صراع السلطة على البيت الأبيض وتتساءل كمشاهد: لماذا هذا حدث هنا؟ وقبل أن تفهم يتم الانتقال بك لتفصيل آخر يدحض مشروع الفهم الذي قبله، وكذلك الفيلمين، ما الفائدة؟ أن نتعلم ماذا؟
كل يمتلك هاتفا ذكيا، قلة التي تستخدمها بذكاء، وغالبية أقل ذكاء من الجهاز الذي بين يديها، الجميع يقف على خط النار في مشروع (الإغراق في التفاصيل) وإنهاك الطاقة والوقت والفكر والعقل والجسد، حتى يسري الوهن في الروح.
التفكير غذاء للعقل والانشغال المستمر بلا وقت للراحة يمنعه، الإجازات والعطلات فرصة للإنسان ليمارس حياته بعيدا عن الالتزامات العامة والانضباط الوظيفي، فيشاهد الكثيرون الدراما في فترة راحة نهاية الأسبوع للاستمتاع بالوقت فيتم خداعه «بإغراقه» بأحد تلك الأعمال التي تنهكه، يشارك في وسائل الإعلام الجديد فيجد إغراقا آخر في تفاصيل التفاصيل.
ملايين من «التويتات والبوستات والسنابات» يتنقل بينهم ويجد نفسه فجأة في حالة ماراثونية مرهقاً ونسي أن يتنفس، وهو رابض فوق أريكته لم يتحرك وحتى لم يغير جلسته، يعاني من الصداع ولا يعلم السبب، والأهم: ماذا تقدم تلك الوسائل؟ غثاء.
المشروع الإغراقي الذي نعيشه بوعي أو من دون وعي يتطلب مشروعا موازيا يعيد التوازن لحياتنا ويردنا للواقع، فالحياة الحقيقية هي واقعك في أطر المكان والزمان مع البشر، تجلس معهم وتحادثهم وتناقشهم وتودعهم مبتسما وقد تبادلت الخبرات والسعادة والهموم معهم وخرجت بحصيلة يمكنك أن تلمسها بفرق في نوعية حياتك ومحيطك.
الفيلم الذي سيأخذ طاقتك ووقتك في التفكير والتحليل لست مضطرا له، في عملك ومهنتك الأجر فضع فيهما التفكير والطاقة لتغير الواقع للأفضل، طور خططا وبرامج وشارك بنهضة بلدك لتصبح إنسانا ذا قيمة وبصمة.
ماذا ستستفيد عندما تعصر دماغك في «الويك إند» الذي هو وقت الراحة والاستجمام، لماذا وما معنى وكيف حل البطل الجريمة وفك الشفرة وانتصر الجاسوس و....؟ ماذا ستعود به ملء يديك إلا الوهم؟
دائما أدعوكم إلى العزلة بين حين وآخر، فالعقل يحتاج للترميم، والتفكير حياة، والحياة نعمة لا يجب هدرها بالخضوع لمشروع إغراق نحن رغما عنا جزء من منظومته.
ممكن أن تعتبرني غارقة في نظرية المؤامرة، وممكن أن تجد في بعض ما كتبت حقائق، الأمر لك أن تكون ضمن مشروعهم أو أن تبدأ مشروعك الآن.