الخصخصـــــــة ليست مبدأ وليست هدفا بل هي أداة إصلاح وينبغي أن تستعمل في موضعها الصحيح. فالبعض يعتقد أن الخصخصة هي مبدأ عام وهدف يجب الوصول إليه لحل بعض الرواسب للأزمة العالمية وهو أمر غير صحيح، وأريد أن أعطي مثالا على ما اعنيه، ولو بدا خارج السياق، وهو أن «الشاكوش» لا يستعمل إلا لدق المسمار فقط أما البرغي فيحتاج إلى مفك وليس إلى «الشاكوش»، ما أعنيه أن لكل حالة ما يناسبها.، ولكل دولة حيثياتها وأسبابها في اعتماد أو عدم اعتماد الخصخصة.
فالخصخصة سلاح ذو حدين كما يحتمل النجاح يبقى الفشل فيها قائما ولكن نستطيع الجزم بأن الخصخصة إذا أتت نتيجة دراسة متأنية فان النتائج تكون مبهرة وخير مثال على ذلك النتائج التي حققت في أوروبا.
ومنافع الخصخصة قد تكون في قطاعات عديدة لاسيما القطاعات التي تعاني من عدم الإنتاجية فهي قطاعات محررة ومقيدة في ذات الوقت وأجواء المنافسة متوافرة فيها، إضافة إلى وجود التمويل الكافي لإطلاقها فهناك دور اكبر للشركات الموجودة حاليا. كل هذه العناصر من شأنها أن تخلق سوقا مهما، كما تؤمن مواكبة التقنيات الجديد. ولابد من الإشارة إلى أن أداء القطاع العام بشكل عام في ظل الأزمات التي عصفت بالعالم والبطء في السير بها يشجع على الخصخصة، فلكي نطلق مناقصة للحصول على قطع غيار مثلا نحتاج إلى 6 أشهر أو أكثر الأمر الذي ينتج عنه سوء الخدمة وعدم القدرة على تحسين الإنتاجية والسرعة في التنفيذ، إلا أن هذه العقبات لا يعاني منها القطاع الخاص ويبقى دوره أكثر فاعلية في المحافظة على التقدم تقنيا.
من جهة ثانية، للخصخصة دور أساسي في تفعيل البورصات العالمية، إذ ان طرح أسهم الشركات المخصصة في اكتتاب عام عن طريق أي بورصة في العالم يشكل عنصرا أساسيا في ضخ السيولة في تلك البورصة.
ولنشاط البورصة آثار ايجابية كثيرة، فعندما تتحرك السيولة في البورصات العالمية تتمكن الشركات المتوسطة التي هي في غالبيتها ملك عائلات أو أفراد، وليس بإمكانها أن تتوسع لأنها لا تملك رأس المال الكافي وإمكاناتها ضئيلة للتوسع في العالم العربي ومناطق أخرى، تتمكن عندها هذه الشركات من الحصول على رأس المال الذي تحتاج إليه من خلال البورصة، وهذا الأمر لا يتحقق اليوم، بفعل ضعف السيولة في البورصة.
ويتصدر قطاعا الاتصالات والكهرباء القطاعات التي يمكن بشكل عام خصخصتها في الوقت الراهن ونتكلم هنا بشكل عام لأن الأعين تبقى على خصخصة هذه القطاعات في الدول التي لاتزال في طور التقدم والأولوية تعطى طبعا للشركات المحلية ذات الخبرة العالية في التشغيل.
أما فيما يتعلق بالقطاعات الأخرى فهي قطاعات غير قابلة للخصخصة حاليا بحيث يجب القيام بورشة إصلاح كبيرة قد تتطلب سنوات عدة قبل الوصول إلى وضع نتمكن من خلاله خصخصتها.
وبما أن قطاع الاتصالات هو الوحيد في العالم الذي تبقى الأعين عليه بشكل عام ويبقى على الدوام القابل للخصخصة في الوقت الراهن يبقى السؤال هل من الممكن لأي دولة في العالم أن تتخلى عن مورد أساسي لها خاصة في ظل بعض الدول حيث ان قطاع الاتصالات يدر أموالا وفيرة على الخزينة؟ وعلى الرغم من ذلك هنالك الأصوات التي تعلو من كل حدب وصوب مطالبة بالخصخصة مثالا على ذلك لبنان ففي الوقت الحاضر هناك حكومة جديدة ووزير اتصالات جديد يدرس هذا الموضوع ولم يتوصل إلى قرار بشأن خصخصة هذا القطاع حتى الآن.
وخصخصة قطاعات الاتصالات أمر يعود إلى الدراسات الدقيقة لاقتصادات الدول وفيما إذا كانت هذه القطاعات متهالكة أم لا، ولكن يمكن القول ان قطاع الاتصالات قابل للخصخصة لوجود شركات مختلفة تديره وهناك تقنيات مختلفة من الهاتف الثابت إلى الخلوي وفيه كل العناصر التي تجعل منه قابلا للتحرر. ولكن ما لا يجب فعله هو عدم تحويل الاحتكار من قبل القطاع العام ليصبح احتكارا من قبل القطاع الخاص فهذا غير مقبول، وأسوأ نتيجة نتوصل إليها هي الاحتكار من أي نوع كان خصوصا من قبل القطاع الخاص.
ولاشك أن الشركات التي تقدم على الخصخصة بشكل عام قد تكون محلية تخرج من رحم الدولة العارضة أو أجنبية أو شركات عملاقة، فالشراكة لا تأخذ موقفا من هوية المشارك سواء كان محليا أو أجنبيا، فالخصخصة هي طريقة لتمويل مشاريع البنى التحتية وتشغيلها. وهذه الشركات تكون لها القدرة الكبرى على الإنتاجية لأنها تتعاطى الربحية وتشغل القطاع بشكل أسرع بموجب مخطط مدروس ولا ننسى اليد العاملة في القطاعات الخاصة تكون وبشكل عام أكثر تخصصا وأسرع إنتاجا لذلك فهي في أغلب الأحوال تنتقل من قطاعات خاسرة إلى قطاعات مربحة. ولنعط مثالا على ذلك بقطاع الكهرباء في ظل دولة مثل لبنان فهو قطاع مرهق جدا للخزينة والسبب يعود إلى ارتفاع سعر النفط العالمي وانخفاض المستوى في التحصيل حتى ان هنالك مناطق لا يطولها التحصيل من الأساس.
فإذا تمت خصخصة هذا القطاع يكون هنالك جزم فإما التسديد أو لا كهرباء، أما المخالفات فالعقوبات محددة في القانون الجزائي ولكن للأسف الوضع في لبنان وخاصة في ظل التحصيل يبقى ناقصا. وهذا ما صرح به وزير الكهرباء مرارا.
وأخيرا أشير إلى أن كثيرا من الناس لا يفرق بين الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص، فمفهوم الخصخصة التقليدي هو بيع ممتلكات الدولة إلى القطاع الخاص، أي تحويل الأصول التي تملكها الدولة إلى القطاع الخاص ليمتلكها ويديرها ويتحول المشروع العام إلى القطاع الخاص، بينما في الشراكة بين القطاعين العام والخاص فان الدولة تشتري خدمات وأصول من القطاع الخاص وهو الأمر الذي من شأنه أن يشجع عملية الرقابة على الإنتاجية والسرعة في التنفيذ الأمر الذي يؤدي وبكل تأكيد إلى تحويل بعض القطاعات الخاسرة إلى قطاعات مربحة.
[email protected]