اصبح الكلام مجديا في الحديث عن تمويل المشاريع الاستثمارية والتنموية في الكويت عن طريق الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وهذا التعبير يتجه الى اخذ موقعه بالقوة، فلا القطاع العام نافع للتمويل لعدة اعتبارات واعتبارات وهذه النظرية اثبتت عدم القدرة على التحكم بمفاتيح اللعب ولا القطاع الخاص خوفا من مبدأ السيطرة، على اعتبار ان الدولة قادرة بامتياز على التمويل لهذه المشاريع الاستثمارية والتنموية من دون الحاجة الى مصادر اخرى بموجب خطة مدروسة وخير دليل على ذالك الموازنة التي تبشر بالخير وتبعث الطمأنينة في النفوس خاصة للاشخاص الذين طال صبرهم على شركاتهم والذين تحولوا الى اداة انتظار.
ولكن المشكلة الحقيقية في هذا الموضوع ليست في البحث عن مصادر التمويل، فالمشاريع الاستثمارية والتنموية في انتظار، والسيولة متوافرة بشكل جيد سواء في القطاع العام عند الدولة (الموازنة) او في القطاع الخاص وبشكل شبه حصري لدى القطاع المصرفي الذي يملك احتياطات ضخمة جدا وهي تنتظر ساعة الصفر للانطلاقة.
ولكن يبقى السؤال اين الضمانات؟ وهل من الممكن ان تتبخر هذه الارقام من جديد في ظل الغموض الذي يخيم على الخطة التي يقال انها مدروسة؟
وبالعودة الى القطاع المصرفي، نجد ان هذا القطاع جاهز وعلى استعداد للتمويل نظرا لحجم السيولة المتوافرة سواء كان ذلك للمشاريع التنموية او المشاريع الاستثمارية ولكن السؤال الذي يطرح ويبقى عالقا في الاذهان هل من الممكن ان تكون هناك قروض للتمويل معلقة على شروط صارمة خوفا من الانزلاق من جديد الى ازمة اقتصادية مصغرة ام ان الضمانات موجودة ومن هو الضامن؟
يضاف الى هذه السيولة المتوافرة لدى القطاع المصرفي انه يجب الا ننسى بعض مصادر التمويل الخارجية المعززة بضمانات شخصية نظرا الى حجم وموقع الممول الذي ينظر باستمرار الى الضمانات ولا يدخل في المخاطر اذ ان منطق الربح بالنسبة له يبقى المنطق السائد ولكن الرقابة واجبة.
وهنا تبرز الحاجة وبشكل ملح الى مشروع قانون يعزز مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويحدد طريقة مساهمة القطاع الخاص في تمويل هذه المشاريع لاسيما ان بعض الفعاليات يرفضون ومن دون ابداء الاسباب منطق الخصخصة، بينما القطاع الخاص في الكويت يبقى حذرا في الدخول في تمويل المشاريع الاستثمارية لحساب الدولة ما لم يشارك في الادارة والاشراف، لقناعته بالعجز في الادارة وحماية الاستثمارات.
وتظهر هنا المشكلة الثانية في ان المصارف والقطاع الخاص بشكل عام، لا يستطيعان المشاركة والمساهمة بمشاريع الدولة مباشرة الا من خلال الاموال الخاصة للمصارف وهنا تبرز مخاطر جمة، اذ ان الفشل في التمويل والخطأ في التطبيق سيقودان الى نتائج كارثية اذ ان الاموال المستعملة تعود الى مساهمين نظرا الى استبعاد استعمال الودائع لما تحمله من مخاطر.
وهنا تكمن المشكلة الثالثة اذ انه كيف يمكن للمصارف ان تقنع المساهمين بالدخول كشريك مع الدولة من دون تولي الادارة، او تمويل المستثمر الذي ينفذ المشاريع لاسترداد التمويل خلال فترات محددة ما بين 3 و4 سنوات مع فوائدها.
لذلك فان وضع مشروع قانون عصري يعرف المشاركة ويعطي الضمانات لا يشكل الاطار الكافي لاقناع القطاع الخاص بالدخول في الشراكة في قطاعات عدة ما لم تتول المصارف والقطاع الخاص مباشرة عملية الادارة بواسطة من تنتدبه. او كحد ادنى تمارس مبدأ الرقابة الايجابية التي تبقى حقا من حقوقها.
ولابد من الاشارة الى الفروقات الكبيرة في وجهات النظر بين الجهات حول شكل المشاركة، فان المشكلة تبقى عالقة بين انصار الخصخصة ومعارضيها، وهي مشكلة مزمنة ومستمرة منذ بداية انطلاقة هذه التسمية علما ان الخصخصة في حال تمت على اصولها تبقى عملية اصلاحية من الباب الاول لانها ترفع يد المحسوبيات عن تعيينات الادارات والكفاءات في المؤسسات العامة الاستثمارية، والتي لا خلاص من تبعاتها.
اذن لابد من وضع خارطة طريق تعزز المشاركة بين القطاعين العام والخاص، بشكل لا يمكن ان تحل الا بوضع قوانين جديدة، لان عناوين الخلافات تحكمها المصالح، سواء من قبل الذين يريدون الانفاق من داخل الموازنة والخزينة بمعزل عن سلطات الرقابة الخارجية، او الذين يريدون الانفاق من داخل الموازنة والخزينة لابعاد مصادر الرقابة قدر الامكان مستندين بذلك الى عجز الادارة.
في الخلاصة، فان موضوع التمويل للمشاريع الانمائية والاستثمارية تبحث داخل نطاق القوانين التي تنظم هذه القطاعات وخارج نطاق صلاحيات الهيئات الناظمة التي لم تستفد كثيرا من وجود هذه الصلاحيات التي تعطل لتضاربها مع صلاحيات الاشخاص المعنيين.
ان الصعوبات في المشاركة بين القطاع الخاص والقطاع العام تصطدم اولا واخيرا بصعوبة الصيغة التي تقوم على الشراكة والخصخصة، ومن ثم صعوبة طريقة التمويل والمساهمة من دون المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص بادارة المؤسسات والمشاريع، لذلك هذه الامور لا يكفي لتنظيمها الا باستصدار مشروع قانون عصري مبني على تجارب ناجحة اذ تحتاج الى قرارات وتوجهات تشجع على القبول بالخصخصة او عدم قبولها وبعدها يمكن ان تسير الامور وفق قانون الخصخصة لكل قطاع وحده وهذا يبقى الحل المرتجى لانه ومن دون شك يبقى الحل الوحيد من وجهة نظرنا.