حرص المشرع في تشريعه للقوانين بشأن موظفي الدولة مراعاة حق الموظف والارتقاء به ليتساوى مع الجهة الإدارية ليقتضي حقوقه منها وشرع له الطريق الذي رسمه بإصدار قانون إنشاء دائرة إدارية بالمحكمة الكلية رقم 20 لسنة 1981 باسطا ولاية القضاء الإداري على كل المنازعات المتصلة بشؤون الموظفين وذلك وفقا لما جاء بنص المادة الأولى منه إذ حرص المشرع على أن يرد ضمن اختصاصات الدائرة الإدارية عند إنشائها لأول مرة معظم المسائل والموضوعات التي تتصل بالحياة الوظيفية للموظف العام وتتصل بشؤون الوظيفة العامة بل ان القرارات التي لم يوردها المشرع ضمن اختصاصات الدائرة الإدارية ظلت محصنة من الطعن بالإلغاء حتى لو كانت من القرارات المتصلة بشؤون الموظفين على سبيل القطع مثل قرارات النقل والندب مما دفع القضاء الإداري إلى التوسع في تفسير النصوص التي تحدد ولايته بحيث تندرج القرارات التي لا تدخل في اختصاصه صراحة ضمن مدلول تلك النصوص.
وحيث جاء نص المادة (33) فقرة أولى من القانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية أنه: يكون سحب القرارات الصادرة بالتعيين أو بالترقية أو بمنح العلاوات التشجيعية المخالفة للقوانين واللوائح خلال سنة من تاريخ صدور القرار.
ولما كان نص المادة المشار إليها مشوبا بالإخلال بالحقوق التي كفلها الدستور للموظفين وبقواعد المساواة وعدالة شروط العمل.. حيث انه كما أسلفنا فإن المشرع حينما أصدر قانون إنشاء دائرة إدارية بالمحكمة الكلية حدد في المادة الأولى أولا، وثانيا وثالثا كافة المنازعات الإدارية ومنها ما جاء بنص المادة (33) وكان هذا النص من العمومية ليشمل كافة المنازعات الإدارية في حساب المدد المقررة للطعن ولحق الإدارة في سحب قرارات التعيين والمكافآت التشجيعية والترقية.. إذ قررت المادة السابعة من القانون رقم 20 لسنة 1981 أن ميعاد رفع دعوى الإلغاء ستون يوما وهو ذات الميعاد الذي يجوز لجهة الإدارة سحب قراراتها خلاله.. وتلك المدة التي استقر عليها قضاء محكمة التمييز والفقه تحقيقا لمبدأ تعادل المراكز القانونية بين حق جهة الإدارة في السحب وحق الأفراد في الطعن على القرار الإداري مدة واحدة فتلك المدة هي مدة معقولة لتبحث فيها جهة الإدارة مدى مشروعية القرارات التي تصدرها ما يكون معه إطلاق يد جهة الإدارة والترخيص لها في سحب القرار الصادر بالتعيين والترقية والمكافآت وفقا للمادة 33 من قانون الخدمة المدنية فيه إخلال بعدالة شروط العمل المنصوص عليه في الدستور المادة (41).. إذ ان طبيعة القرارات الصادرة بالتعيين والترقية وما تكسبه للموظف من مراكز قانونية وتولد حقوقا من آثارها الاستقرار في الوظيفة المعين فيها أو المرقى على درجتها.. إذ يعد الإخلال بكل تلك المعطيات أمرا يجافي العدالة إذ ان الموظف المخاطب بالقرار يكون في عدم استقرار وتتعرض المراكز القانونية المكتسبة لكثير من الخلخلة والاضطراب حتى فوات السنة.
لذلك يتعين على المشرع التدخل لحل تلك المسألة والتي تتعلق بموظفي الدولة وذلك بحذف ذلك النص المعيب دستوريا والاكتفاء بالقواعد العامة التي وضعها القانون رقم 20 لسنة 1981 بشأن إنشاء دائرة إدارية بالمحكمة الكلية وصولا لتحقيق مبدأ العدالة والتساوي بين مراكز الموظفين والجهات الإدارية من حيث حق الطعن على القرارات الإدارية ومدة سحبها لتكون ستين يوما وتلك مدة كافية لتتحقق الجهة الإدارية من صحة قراراتها سواء التعيين أو الترقية أو منح المكافآت التشجيعية.. وذلك اتساقا مع نص المادة 41 من الدستور على أن لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه.. ونص المادة السابعة من الدستور على أن العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع بما يعد أي إخلال بتلك الدعامات والركائز الأساسية لقيام أي مجتمع بمثابة بداية لانهياره لاسيما أن موظفي الدولة هم من دعائم قيامها فيجب مراعاة عدالة شروط العمل بالنسبة لهم وتحقيق المساواة عند مخاطبتهم بموجب قواعد القانون العام دونما تمييز بين حق الإدارة وحقهم.