بعد الدراسة المستفيضة لجريمة غسيل الأموال من الناحية القانونية والاقتصادية وأثرها على الاقتصاد الكويتي. آثرنا وللمرة الأولى بحث هذه القضية وإظهار مدى مساهمتها في تأجيج المشكلة الاقتصادية العالمية. سواء كانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة. مشكلة غسيل الأموال من أخطر المشكلات التي تواجه العالم الاقتصادي والمالي اليوم، خاصة بعد ضلوع شخصيات عالمية فيها وحمايتها لمروجي هذه الأموال. وقد ازداد خلال السنوات الماضية حجم الأموال القذرة التي انتشرت في السوق المشروع بإنشاء الشركات الوهمية العملاقة والفنادق الرنانة والمصانع المتعددة الاتجاهات.
وحقيقة الأمر أن جل ما يخيفني كباحث قانوني متخصص بعض الأبحاث والدراسات التي تنشر من أماكن موثوقة أنفق عليها ملايين الدولارات لتزويدنا بالمعلومات الدقيقة وفي ختامها تقارير أشار صندوق النقد الدولي إلى أن حجم تجارة غسيل الأموال يتراوح بين 500 و750 مليار دولار سنويا. وحوالي 70% من هذه الأموال ينتج عن تجارة المخدرات.
ينتج عن غسيل الأموال جرائم عديدة يحصرها خبراء المال والاقتصاد: بالمخدرات، الجريمة المنظمة، تجارة الأسلحة غير المشروعة، الفساد الإداري، السمسرة، والفساد السياسي.
وباعتراف خبراء المال والاقتصاد فإن هناك طرقا متعددة لغسيل الأموال وقد شرحنا فحواها سابقا وفندناها بطريقة سلسة. وقد قدر خبراء الاقتصاد المبالغ المالية التي يتم غسلها سنويا بتريليون دولار، وهو ما يعادل 15% من إجمالي قيمة التجارة العالمية.. رقم كبير جدا يحتاج النظر إليه والتدقيق فيه إذا ما قارناه بما عصف بالاقتصاد العالمي من أزمة اقتصادية أدت إلى تفشي البطالة وإفلاس مؤسسات مالية كبيرة ذات تأثير يذكر في أسواق المال والبورصات العالمية. وبعد التدقيق في المقالات السابقة نجد ان البنوك السويسرية بها ما يتراوح بين تريليون وتريليوني دولار من الأموال التي جاءت من مصادر محرمة.
وفي تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة أن سويسرا تحتل مرتبة متقدمة في الدول التي تستقبل الأموال المغسولة، والتي تصل إلى 750 مليون دولار سنويا.
وتتقاسم بقية الكمية كل من لوكسمبورغ وإمارة موناكو والنمسا وجمهورية التشيك وأخيرا «إسرائيل».
ومن دون شك ولكي يكتمل البحث لابد من الإشارة الى مؤتمر البحرين وهو مؤتمر دولي عقد لمناقشة ظاهرة غسيل الأموال، وكيفية التصدي لها، وشارك في هذا المؤتمر عدد من خبراء المال والاقتصاد الدوليين.
وقد تكشفت في هذا المؤتمر حقائق بالغة الخطورة منها تلك الأرقام المخيفة التي تظهر مدى تغلغل عصابات غسيل الأموال وسيطرتها وتهديدها لنظم الاقتصاد في العالم. وأظهرت المناقشات أن حجم تجارة غسيل الأموال يتراوح حاليا وفقا لإحصائيات صندوق النقد الدولي ما بين 950 مليار دولار و1.5 تريليون دولار، ارقام كفيلة بحد ذاتها لأن تضع الاقتصاد العالمي في الحالة الصحية في مكان حرج فكيف اذا كانت هذه الجريمة مرافقة لعدة أمور غير مدروسة.
كما كشفت التقارير أن حجم الدخل المتحقق من تجارة المخدرات في العالم يصل إلى نحو 688 مليار دولار والسؤال الذي يطرح. أين تذهب هذه الأموال؟ بعد كل هذه الإحصائيات والتقارير ان قامت الهيئة العامة للأمم المتحدة بإبرام اتفاقية سنة 88 تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول في مواجهة مختلف مظاهر مشكلة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، وتعتبر أول اتفاقية دولية تعرضت لموضوع غسيل الأموال وقد تركت هذه الاتفاقية للدول حرية التصرف واتخاذ الإجراءات التي تراها كل دولة مناسبة وذلك حسب ظروفها لتحريم منع تحريف أو تمويه أو تبديل أو حذف حقيقة الأموال إذا كانت متحصلة من إحدى الجرائم الخطرة.
كما تم تأسيس لجنة سميت لجنة العمل الاقتصادي المتعلقة بغسيل الأموال هذه اللجنة أنشئت بمبادرة من رؤساء حكومات الدول الصناعية السبع، وذلك بهدف إعاقة واكتشاف أعمال غسيل الأموال، ففي عام 1990م قامت هذه اللجنة بإصدار أربعين توصية وكان من بينها تطبيق قانون منع غسيل الأموال ويقوم بوضع قوانين بنكية لاكتشاف المشتبه فيهم والقيام بالإبلاغ عن الحالات المشتبه فيها. وفي العام 1988 قامت هذه اللجنة بإصدار قانون المبادئ الذي حظر بموجبه استخدام البنوك للنشاطات الإجرامية، وذلك لأهداف تتعلق بغسيل الأموال، وينص هذا القانون على ضرورة منع المعاملات التجارية ذات الخلفية الإجرامية وخصوصا «المتأتية من عمليات غسيل الأموال والمساهمة في اكتشاف ومنع هذه المعاملات».ضمن هذا الإعلان مجموعة وزراء وممثلين عن حكومات دول الكاريبي وأميركا اللاتينية الذين اجتمعوا في كنغستون بجمايكا من 5-6 أكتوبر 1992 وقد اتفقت الدول المجتمعة على توقيع وتنفيذ إعلان الأمم المتحدة لعام 1988 ضد تهريب المخدرات أو العقاقير النفسية، واتفقوا أيضا على قبول وتنفيذ التوصيات الأربعين التي صدت عن الدول الصناعية السبع، كما أوصوا في هذا الإعلان بأن تقوم كل دولة بوضع قانون وأنظمة تتعلق بضبط ومصادرة الممتلكات والأرباح الناتجة عن تهريب المخدرات.
وختاما أقول إن لم يكن هناك تعاون دقيق بين كل أفراد المجتمع ليصبح كل منا درعا لأمن وطنه واستقراره فإن الفساد سينتشر لا محالة وتزداد فيه الأورام السرطانية في جسد المجتمع وأقول كذلك إذا انفصل العمل بالدنيا عن مراقبة الله في كل أمورنا المالية والاجتماعية والمعاملاتية فإننا أمام مأزق ينذر بالدمار والخراب.
[email protected]