في الماضي البعيد التقيت بالبروفيسور فيسسول الاستاذ المحاضر في جامعات «مرسيليا» في فرنسا وكان جل اهتمامي محاولة أخذ سبق صحافي لأنه مشهور بقلة الكلام، فسألته عن توقعاته لأبعاد الأزمة الاقتصادية العالمية، فكان جوابه قاتما خذ العبرة من الأزمات الثلاث في السنتين الماضيتين وسوف ألقاك في 2012، صورة سوداء تماما لما حصل في العام 2008، اتجهنا مهرولين إلى العالم العربي، فكتبنا في الصحف والمجلات العلمية، وعقدنا المؤتمرات والندوات، وأجرينا مقابلات ومناظرات تلفزيونية، وذكرنا ببعض الحلول، ضرورة دمج المصارف الصغرى بالكبرى، الابتعاد أو التخفيف من القروض غير الآمنة، عدم الدخول في مشاريع غير مجدية، ضخ سيولة في السوق (البورصة)، كنا جالسين ننتظر الفرج من الخارج في الوقت الذي كانت اقتصادات العالم تغرق في مستنقعات، تفتش عن أدوات لادارة الأزمة بعد أن استسلمت للحل، واليوم عدت من جديد لأسأله مستغلا مناقشة شهادة الدكتوراه لأخي الاصغر في الاقتصاد الدولي، هل باستطاعتنا ان نجنب العالم المزيد من المصاعب الاقتصادية وهل الأزمات التي مرت كانت كفيلة بإعطاء العبر، فكان جوابه قاتما كذلك خذ العبرة من الأزمات الثلاث في السنتين الماضيتين وسوف ألقاك في 2012.
في رأيه أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو نظام اقتصادي جديد بعد انهيار الأسواق المالية العالمية. والاضطرابات المالية في العامين الفائتين، وقد لفت نظري قوله ان الأزمة مازالت بمفاعيلها والمطبات مازالت موجودة، فما الذي بنى عليه رأيه الاقتصادي وهل أصاب أم أخطأ وبكل بساطة لنجر بعض المقارنة، بالعودة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية نرى انها اتخذت أشكالا وموجات متكررة يتم بموجبها فحص إرادة قوى العالم وقدرتها على مواجهة الأزمات خاصة في ظل واقعة كشفت الجميع وباتت جميع الدول الكبرى أمام الأمر الواقع.
وإذا عدنا الى التحليل العلمي لأسباب الأزمات نرى أنها كانت مفتعلة بدليل النهوض السريع ومن ثم السقوط وفي الوقت الذي يبشر بالأزمة ندرك أننا باتجاه كوارث ثم نستيقظ على دول صغيرة دفعت ضريبة من الممكن أن تجعل منها مدينة لقرون ونعطي مثالا على ذلك أولى الأزمات كانت فضيحة بنك «ليمان براذرز» الأميركي في سبتمبر 2008، واستمرت حتى عقد قمة العشرين بلندن في أبريل 2009 حينما اعترف زعماء البلدان المتقدمة والبلدان الصاعدة بان النظام المالي العالمي يتهدده خطر قاتل مهلك.
وقد استعملت في التقرير كلمة خطر مهلك سرعان ما تكاثفت الجهود وكان من دون شك المستفيد معروفا والخاسر معروفا، وبرهن زعماء الدول العشرين في لندن على إمكانية الوصول لإجماع دولي، مفتشين عن مصالحهم ومصوتين على من تدور عقارب الساعة على الأقل في الحالات التي يشعر فيها كل طرف بأنه يتعرض لنفس التهديد، وتحرك زعماء العالم على الأثر بسرعة كبيرة معتمدين خطط تحفيز اقتصادي وخطط تقشف، كما سعى زعماء دول العالم للتوصل إلى اتفاقيات دولية لإصلاح النظام المالي العالمي القائم.
انتهت العاصفة الأولى وارتاح القادة من عناء التفكير ورسى المزاد وتوزعت الغنائم، لابد من أزمة أخرى فقد بدأت وفق بريمر بإعلان المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري سامرز في ديسمبر 2009 أن الكساد في الاقتصاد الأميركي انتهى ولكن إلى أين صار هذا الكساد ومن دفع الفواتير؟
وإن كان سامرز على حق من الناحية الفنية، حيث استأنف الاقتصاد الأميركي نموه ولكن بوتيرة بطيئة، ولكن من الناحية السياسية فاته أنه خلق لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مشاكل جديدة، حيث إن تبديد المخاوف أضعف الحاجة إلى الوحدة على الساحة الدولية وفتح المنافسة بين الدول على مصراعيها أي أقفل إلى ما لا نهاية الباب الاقتصادي الوحيد الذي يجب على كل الدول الولوج منه طلبا للرزق وفتحت بل وشرعت الأبواب الصغرى التي من الممكن أن تكبر بسرعة وخاصة الصين.
وإذا اتجهنا نحو أوروبا فقد أبعدت الإجراءات الطارئة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي في مواجهة أزمة الديون السيادية، اليونان وإسبانيا وغيرهما من الاقتصادات الأوروبية الضعيفة، عن حافة العجز عن تسديد الديون ولكن بثمن سياسي عال، وفرضت إجراءات تقشف قاسية مما جعل الشعوب الأوروبية تتذمر وتعرب عن ذلك باحتجاجات وإضرابات أقلها ذلك المشهد المعبر للصحافي الذي رمى بنفسه تحت قبة البرلمان فكان خير جواب لما يجول في خاطر الأوروبيين.
أما البريطانيون فكانت ردة فعلهم أكثر قساوة حين أداروا ظهرهم لرئيس الوزراء غوردون براون، فعاقبوه بالسياسة وأعادوه الى حيث كان ينبغي أن يكون وفي ألمانيا فقد تعرض حزب المستشارة أنجيلا ميركل المسيحي الديموقراطي لهزيمة في أكبر ولاية ألمانية من حيث عدد السكان، اقفل البازار على خسائر جمة ولكن في هذه المرة كانت الخسائر بالغة، فقد أثقلت الجراح القادة لأنهم كانو مضطرين هذه المرة أن يكونوا في الواجهة، ليس هناك من دول فقيرة قادرة على حمل أوزان من هذا النوع، همدت نار الأزمة الاقتصادية العالمية، واستبشر العالم خيرا ليخرج علينا مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس في الاجتماع السنوي للصندوق من أن الحكومات بدأت في استعمال عملاتها كأسلحة في التنافس التجاري فيما بينها في إشارة لحرب العملات.
من جانبه، حذر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك من أن جولة من الإجراءات الحمائية قد تعود بالعالم إلى الأزمة في ثلاثينيات القرن الماضي.
وصلت رسالة فيسسول من ان الأزمات تدار ولكن الحل يبقى كما ذكرنا أنه أمام القوى الكبرى للانطلاق للعمل والتعاون مع الدول الصاعدة للوصول بالنهاية لنظام عالمي جديد يأخذ في اعتباره المتغيرات الطارئة وتوزيع القوى وإلا فإن على العالم مواجهة موجة رابعة من الأزمة ستكون الأسوأ بل موجة خامسة ستكون مدمرة وليس في جميع الحالات تدار الأزمة اذ ان الفيل يكون دائما مربوطا في خيط رفيع يراهن صاحبه على سذاجته من أن الاعتقاد لديه بأنه مقيد بجنزير من الحديد، ولكن في السيرك نرى أولى ضحايا الفيل يكون صاحبه وعادة تكون الدعسة الأولى والأخيرة.
في الختام وكما في كل ختام نتوجه الى هذا البلد المعطاء بالدعاء بطول النعم وحفظ أهله لانها تبقى صمام أمان للعالم العربي كما نتوجه بالشكر وطول العمر لصاحب السمو الامير، حماه الله، من كل مكروه ونتمنى له سنة مجيدة في العام 2011 يطل فيها على مشارق الأرض ومغاربها وولي العهد أدامه الله وحفظه لهذا البلد، كما نتوجه بجل الاحترام والتقدير للحكومة رئيسا ووزراء للجهود الكبيرة التي بذلت في السنوات الماضية لأنها كانت عصيبة لتجنيب هذا البلد تحمل نتائج الأزمات العالمية وخاصة سمو رئيس مجلس الوزراء الضمانة الاقتصادية الأكيدة لهذا البلد الخير بفعل خبرته وصبره، عفاكم الله وحماكم، فأنتم مستقبل الكويت، ومستقبل الأجيال القادمة، بكم نفتخر والله الى جانكم.
[email protected]