بدأت علامات الإحباط بالظهور لدى المواطن العربي ولم يعد يثق بأي مشروع يطرح يمكن أن يوفق العرب أو يصب في مصلحة مواطنيه، سواء أكان هذا المشروع على الصعيد السياسي أو على الصعيد الاقتصادي، أو على الصعيد الاجتماعي أو على الصعيد الأمني، والسبب أن فشل المشاريع العربية أصبحت كثيرة وأن إحباطات الإنسان العربي تزايدت حتى انه فقد الثقة بأي مشروع يمكن أن يطرح في الوقت الذي بتنا فيه بأمس الحاجة الى الاتحاد. لما لا وكل الإمكانيات موجودة.
تفاءلنا بالخير عندما ظهر مشروع السوق العربية المشتركة واستنتجنا أنه سيعالج كل مشكلات الماضي، ليس لأن الخطوات التي قطعها المشروع تبعث على التفاؤل، والفكرة بحد ذاتها عظيمة، بل لأن التحديات المحيطة بالوطن العربي فرضت على الزعامات العربية ضرورة اتخاذ المبادرات الكفيلة بتحقيق المصالح المشتركة وإيقاف الآلة الخارجية التي نجحت في الماضي في عرقلة سلسلة من المشاريع الاقتصادية والسياسية بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية، خاصة ان السوق الأوروبية المشتركة قد خطت الى الأمام وأصبحت الدول تفكر في أمور كثيرة كنا نعتقدها في الماضي ضربا من الخيال. والآن الاتحاد موجود والسيطرة على الموارد موجودة والتحكم في القرار موجود. إذن لماذا لا نكون كذلك.
كانت الكويت رائدة في هذا الطرح، واقترحت في القمة العربية المشروع الاقتصادي العربي الكبير في القمة التي عقدت بتاريخ 2007 في العاصمة الرياض وقد نوقشت سلسلة من مشاريع التكامل الاقتصادي العربي.
وقد وافقت قمة الرياض بإجماع الملوك والرؤساء والأمراء على عقد أول قمة عربية اقتصادية لمناقشة المراحل التي قطعها مشروع السوق العربية المشتركة، والوسائل الكفيلة باستكمال المشروع.
كانت خطوة جبارة. وكان القرار الذي اتخذته قمة الرياض بعقد قمة اقتصادية كبيرا لدرجة ان أروقة الجامعة العربية تحولت الى خلية نحل. نشاط غير عادي لوضع الدراسة التفصيلية للقمة الاقتصادية تبدأ هذه الدراسة بمشروع الاتحاد الجمركي. فقرة عظيمة. كلمة الاتحاد بين العرب تبعث الطمأنينة. أيا كانت، وحتى لو كانت بحلول عام 2015 والسوق العربية المشتركة بحلول عام 2020، فالقمة العربية الاقتصادية الأولى في تاريخ العمل العربي المشترك هدفها إزالة العقبات من أمام مشاريع الوحدة الاقتصادية والعمل المشترك الدؤوب لتحقيق النمو المشترك ووضع الآليات اللازمة لمباشرة تنفيذ البرامج والمشاريع حتى لو كانت متأخرة، فالأجيال القادمة بانتظار، والعقول الشابة حاضرة، ولدينا ما يكفي من الطاقات الشابة لخوض أصعب التجارب.
نعم أحسن العرب في خياراتهم وهم يتجهون إلى تحقيق مشروع السوق العربية المشتركة بنجاح ودون زفة إعلامية حاشدة، واعتقد أن غياب الزفة الإعلامية عن المشروع الاقتصادي العربي الكبير يساعد على الوصول بالمشروع إلى مراحله النهائية بعيدا عن العوائق الخارجية التي دأبت على وضع العراقيل أمام أي مشروع عربي هدفه تحقق المصالح العربية الكبرى.
والسؤال الذي يطرح هو ما سبب غياب الإعلام العربي عن تسليط الأضواء على مشروع السوق العربية المشتركة؟ والجواب واضح، يعود إلى أن الإنسان العربي لم يعد يثق بالقرار العربي ولا بإمكانية تحقيق انجازات على صعيد المشاريع العربية التي باتت مجرد قرارات على الورق فارغة من مضامينها أو مشاريع كلام وليست مشاريع فعل، ان القرارات التي اتخذت في القمة أدت الى اندفاع الدول العربية نحو السوق العربية المشتركة في ظل ظروف اقتصادية عربية جيدة، فقد تحسن أداء الاقتصاد العربي بسبب ارتفاع أسعار النفط والإصلاحات الاقتصادية والمشاريع التنموية والفائض من عائدات النفط، فضلا عن محاولة التلاقي والتضامن التي ظهرت في الفترة الأخيرة، خاصة الخطوات التي قامت بها معظم الدول العربية التي أنتجت ناتجا محليا عربيا لأول مرة يقدر بأضعاف ما كانت عليه.
ظهرت أولى مراحل تحقق السوق العربية المشتركة عام 2005 بإنشاء منطقة التجارة العربية الحرة بانضمام 17 دولة عربية من 22 دولة عربية، ولقد حققت هذه المنطقة نجاحات ملموسة على الأرض والآن تسعى الدول العربية من خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة الى العمل الجاد على تحسين سبل التعاون في كل الميادين، خاصة التنموية والتأمين هل بدأ الحلم الاقتصادي العربي الذي أبصرت فكرته عام 1950 بالتحقيق، وهل ستكون هناك اتفاقية للدفاع المشترك والوحدة الاقتصادية، وتكاد تخطف هذه الوحدة المشتركة كل المزايا والمنافع الاقتصادية التي ستعود على الاقتصادات العربية بالخير والبركة.
وفي رأيي الشخصي اذا تحققت الفكرة، وأنا واثق من ذلك ان شاء الله خاصة في ظل أجواء الانتعاش الاقتصادي الذي سيسود الدول العربية، فإن جميع مشاريع التضامن العربي ستكون سالكة وناجحة وقابلة للتنفيذ مهما واجهها من أزمات محلية وعالمية.
إن نجاح السوق العربية المشتركة، يعني أن وحدة كونفيدرالية اقتصادية سياسية تنموية بالمعنى الضيق تتحقق بين الدول العربية وتجعل منها قوة يحسب لها ألف حساب، ولكن التفاعلات الاقتصادية بين الدول العربية الأعضاء في السوق المشتركة ستجعل العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء علاقات ذات مصالح مشتركة ترقى إلى مستوى الكونفيدراليات، ولكن نعول دائما على حكمة زعمائنا العرب للوصول بهذه السفينة الى بر الأمان، خاصة إذا كان قائدها ورائدها الكويت.
هل ستصدق التوقعات، وهل الرهان قائم، وهل سننجح في إقناع الشارع العربي بأن فكرة الاتحاد بين العرب أصبحت أمرا واقعا؟ لم لا إذا كانت النية متوافرة؟! وكلنا ثقة بزعمائنا وعلى رأسهم صاحب السمو الأمير ـ أطال الله في عمره وحماه من كل مكروه ـ لأنه ضمانة العرب، وفي الختام وكما في كل ختام جل ما نتمنى لهذا البلد المعطاء الخير والبركة ودوام العز لنقول «الكويت الحبيبة الله حاميها».
[email protected]