تتجه الازمة السياسية في لبنان الى مزيد من التصعيد والتأزيم، ولكنها في ظل الظروف الراهنة تضر بمقومات البلد، فالوضع الاقتصادي يتجه الى مزيد من التردي، والوضع الاجتماعي حدث ولا حرج، وما نريده في مقالنا هذا، هو تسليط الضوء على التصريحات الاخيرة في لبنان بان الليرة اللبنانية متينة ولم يعكر صفوها شيء، والوضع المصرفي ممتاز لانه ركيزة اساسية، وللاسف كل محلل اقتصادي لا يتحدث بموجب دراسات واحصائيات بقدر ما يأتي تحليله متناسبا مع كونه مواليا او معارضا، اولى المسؤوليات يتحملها القطاع المصرفي في لبنان، وخاصة المصرف المركزي في ظل هذا الوضع المتردي، فضلا عن تحمله المسؤولية الكبرى في انعدام النهوض الصناعي وتطوره وانكفاء النشاط التجاري في ظل الازمة الراهنة وما يعنيه ذلك من ترد للاوضاع الاقتصادية التي هي بالاساس متردية على صعيد الوطن، وذلك لاتباعه سياسة الحياد السلبي، اذ ان المصرف المركزي تعود على الاكتفاء باصدار سندات خزينة بفوائد عالية تستفيد منها البنوك على حساب لقمة المواطن وفقره، علما ان ودائع المصارف سجلت نتائج ممتازة، واذا قسنا لبنان، هذا البلد الممتد على مساحة 10452 نستنتج ان ليس هناك بلد في العالم بحجم لبنان تملك مصارفه هذا الكم من السيولة، فالفوائد العالية على الودائع التي تتراوح بين 4 و5% على الدولار والتي لا يمكن ان تتعدى في بنوك الخارج ـ وفي اي دولة في العالم ـ أكثر من و1 او 2%، خاصة بعد الازمة المالية العالمية الحالية، تعطي غطاء هداما على المبالغ والقروض المدينة، وتزيد من كلفة النهوض الاقتصادي وازدهاره وبالتالي تراجع الحركة الاستهلاكية لانخفاض القدرة الشرائية وبالتالي نمو البطالة ما يؤدي ـ كما عبرنا في مقالاتنا السابقة ـ الى اندثار الطبقة الوسطى التي تشكل رأس حربة النظام الاقتصادي الحر وتبقي التوازن قائما بين الاغنياء والفقراء.
ان القرارات الصادرة من المصرف المركزي في الفترة الاخيرة، وعدم تقديم الاقتراحات اللازمة، والابتعاد عن العمل الجاد للنهوض بالاقتصاد الوطني، تجل لهذا النهج الخطير، بحسب بعض استطلاعات الرأي في المجال الاقتصادي، فاصدار سندات الخزينة لصالح المصارف بفوائد عالية جدا تزيد من عجز الخزينة ويضاعف من ثروات البنوك الضخمة ويزيد خطر الافلاس على البنوك المتعثرة والصغيرة كل ذلك بفضل هذه السندات، من هنا كانت دعواتنا في ظل الازمة الاقتصادية العالمية، لتفادي نتائجها، الى ضرورة دمج المصارف الصغرى بالمصارف الكبرى، لان هذه المصارف، ومن وجهة نظرنا، ستتحول في المدى القريب الى عامل مساعد في اتخاذ القرار، وقد اخذنا التعقيدات والصعاب والشروط التعجيزية التي تضعها المصارف التجارية لمساعدة القطاع الخاص بالقروض اللازمة بعين الاعتبار واستخلصنا العبر بأنها متعمدة، لما لا، وهذا ما يترجم انكفاء دور المصرف المركزي الفعلي عن المساهمة في النهوض الاقتصادي في لبنان، هذا الدور الاساسي هو المطلوب، مع ثقتنا التامة بقدرة وكفاءة حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة الذي يشكل ضمانة وطنية ومصرفية بامتياز سواء على صعيد لبنان او على صعيد العالم، وبشهادة افضل الخبراء، الموالين منهم والمعارضين، ولكن والحق يقال ان ما نسميها الهبة التي يقدمها المصرف المركزي بفوائد عالية على سندات الخزينة اوجدت تضخما كبيرا في عدد البنوك في بلد صغير كلبنان (76 مصرفا) عدا الفروع المنتشرة في كل حدب وصوب، كما يتحمل مصرف لبنان المسؤولية الكبرى في تدني مستوى الرقابة على البنوك، اذ لم يبق في الوقت الراهن سوى النظام المصرفي الذي من الممكن ان نعول عليه وسياسات المصرف المركزي يجب ان تكون صارمة وكلنا ثقة ولكن يبقى لكل حصان كبوة.
نتوجه الى ادارة المصرف المركزي بشكل عام والى الاستاذ الكبير رياض سلامة الذي نفتخر به ونكن له كل الاحترام والتقدير، بان تكون الادارة اكثر فاعلية في تنشيط القطاع الاقتصادي وان توجه الرقابة لتكون سليمة، وان تنكب الادارة على اخذ المقترحات والتشريعات وتدابير اكثر ملاءمة وتطورا في ظل الوقت الراهن، والعمل معا على تشجيع البنوك التجارية على المساهمة الفعالة للنهوض بالبلاد عن طريق اعطاء القروض الطويلة الاجل بفوائد رمزية، فالمسؤولية تتطلب اندفاعا واخلاصا وسهرا وموهبة وابداعا وتفانيا من اجل الصالح العام، والوضع الراهن يستلزم حيادا تاما والاتجاه اكثر فاكثر للعمل الدؤوب لصيانة الليرة وتمتين الوضع الاقتصادي، والتفتيش في كل الوسائل والميل الى اعادة احياء الطبقة الوسطى، والاتجاه نحو الاستثمار في القطاعات التي يعتبرها البعض ميتة، فالـ100 ميل تبدأ بالميل الواحد.
وفي الختام وكما في كل ختام، نتوجه الى صاحب السمو ـ اطال الله في عمره وحفظه من كل شر ـ صاحب اليد الكريمة التي كانت ـ وستبقى ان شاء الله ـ اليد الكريمة على الشعوب العربية بألف شكر، والى ولي العهد الحافظ المؤتمن، والى سمو رئيس مجلس الوزراء والوزراء الاعزاء المحافظين بكل عين ساهرة على اقتصاد الكويت، عفاكم الله، وفي الختام وكما في كل ختام: الكويت الحبيبة الله حاميها.
[email protected]