الروتين الإداري من الأمراض الخبيثة التي تصيب المجتمعات العربية وتعطلها عن مسيرة النهوض والتقدم وروح العصرنة التي نلهث فيها نحو التجديد، والروتين الإداري من أبرز الفوارق التي تميزنا عن الغرب وتزرع فينا الانحطاط واليأس والخوف.
والروتين الإداري هو أبرز المصادر للابتعاد عن المسؤولية والدخول في دائرة مفرغة نضع فيها الكبار بين أيدي الصغار. وإذا كان الروتين الإداري ينشأ عندما يتمسك الجيل القديم بأفكاره ونظمه الإدارية، ولوائحه الوظيفية، والحفاظ عليها في حالة من الجمود، فيكون لسبب عدم تمكين الجيل الجديد من الوصول الى المراكز ووضع العقبات وتكبير الصغيرة وتصغير الكبيرة. فهناك جيل راغب في كسر الجمود داخل الإدارات بأفكار جديدة وروح تطوير وتطور جديدة ملائمة للعصر الحالي.
في لقاء مع أحد الأساتذة المحاضرين في الاقتصاد في جامعة مونبيليه ـ فرنسا ـ ذكر ان التخلف والجهل يختبئ دائما خلف الروتين وهذا ما يجعل مجتمعاتنا تسير بسرعة السلحفاة نحو التطور. فكيف نواجه أزمة اقتصادية عالمية ونحن لانزال نعتمد على التدقيق اليدوي والرقابة الميدانية بينما الغرب دخل عالم الاستعلام الدولي عن هوية الشخص في دقيقة واحدة. وبالعودة إلى أحد الفلاسفة الذي عرف الروتين الإداري بشكل عفوي وصف الروتين بأنه شقيق البروتين، إجابة هذا الفيلسوف فيها مقاربة للواقع إذ ان التشدد في الأول يولد مرضا عضالا في المجتمع لابد من استئصاله بينما الإكثار من الثاني يولد أمراضا مميتة، فالروتين هو تصعيب وتفخيم الشيء من سهل الى صعب ومن صعب الى أصعب بواسطة سلسلة مراجع إدارية وتعقيدات لا أول لها ولا آخر.
وهذه الظاهرة المقيتة تقتل مجتمعنا العربي والمجتمعات الشرقية خصوصا، ويقول بعض علماء النفس ان إجراءات الروتين الإداري تجاه المواطن تكون نابعة من عقدة الموظف المختص تجاه الآخرين، أو تهربه من المسؤولية، أو تنفيذ مآربه، ان الروتين الإداري وللأسف يكون دائما في مجتمعاتنا العربية وفق سياسة ممنهجة، الهدف منها فتح الأبواب أمام المسؤولين في الإدارة، وقطع الطريق أمام البسطاء لنيل استحقاقهم وحقوقهم، فنجد الروتين عقبه أمام البسطاء لنيل الماجستير وعقبة أمام أصحاب الطموح الفقراء بتأسيس شركه أو حتى مؤسسة، في التسعينيات زاد الروتين بنسبة عالية في مجتمعاتنا العربية مما مهد الى انتشار الفساد الإداري الذي لانزال نرزخ تحت وطأته في عدد كبير من مجتمعاتنا العربية.
إن الصراع بين القديم والحديث، بين الجمود والتطور، بين السرعة والروتين هو من سنن هذا الكون وينسحب هذا الأمر على الشركات والمؤسسات والأفراد، لاسيما في مجتمعاتنا العربية التي تعاني فيها بعض مؤسساتها من الترهل الإداري والنمطية والخوف من التجديد والابتكار وهو ما يجمله خبراء الإدارة في مصطلح الروتين.
إذن لابد من التغيير. فنحن تحت فكي أزمة اقتصادية عالمية وفقر يسيطر على ثلاثة أرباع المعمورة. وكسر الجمود وترك مساحة واسعة من المرونة تسمح للنظام بالكامل أفراد ومؤسسات وشركات، بأخذ خطوات من التطوير والنجاح، والوصول إلى بناء تنظيمي يسمح للأفراد والمؤسسة والشركة بأن يتحركوا نحو أكبر قدر من المرونة دون الإخلال أو التفريط.
إن هذا النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا عبر إستراتيجية متكاملة للإصلاح الإداري تشمل تطويرا شاملا للإدارة تستند الى توصيات ودراسات متخصصة قادرة على مواجهة نفوذ بعض الذين سيرفضون التغيير ويكون للرقابة والإشراف شأن كبير.
إن العمل المشترك في الإدارة يعني السلوك في التعامل داخل الشركة أو المؤسسة أو الهيئة لأنه يصدر عن سلوك بشري واحد (فردي أو جماعي) وله أثره الواضح على العمل.
ونحن ننادي لا حبة بالغرب بل بالابتعاد قدر الإمكان عن الفشل المكتوب.
إن السرعة في إنجاز المعاملات تبعد قدر الإمكان عن المشاكل. فقد أنشأ في فرنسا مراكز كاملة تعمل على إلغاء العقبات التي تواجه المواطنين. وكم يستهويني عندما كنت طالبا في جامعات فرنسا. أتذكر كيف تنجز المعاملات في الوزارات. في يوم واحد تنتهي من المعادلة للشهادات وفي يوم واحد تتقدم وفق موعد مسبق للتسجيل والحصول على بطاقة الجامعة وفي يوم واحد وبعد موعد تنتهي إجراءات الإقامة للتفرغ لما هو أهم وهو الهدف الذي ذهبنا من أجله الى فرنسا وهو نيل العلم. وكم هي المقارنة بسيطة ومتواضعة مع مجتمعاتنا في العالم العربي لنختم دائما وعلى الدوام عالمنا العربي الله حاميه.
[email protected]