الحديث يتركز حول وجود الغاز بكميات وفيرة في لبنان، مليارات ومليارات. وهنا تكمن أهمية معرفة المخزون الفعلي الذي على أساسه يبنى كيفية إدارة القطاع. فالإدارة الاستراتيجية للنفط تختلف عن الإدارة الاستراتيجية للغاز. فمثلا، ان ينتج لبنان النفط ويبيعه حاليا فإنه يعود عليه بفوائد مالية مهمة.
ولكن هذا ليس حال الغاز المنخفض السعر نسبيا. فإنه يحبذ الانتظار فترة زمنية حتى زيادة الطلب وارتفاع الأسعار. فإذا كان المخزون من الغاز مرتفعا فإن انتساب لبنان لمنظمة الدول المصدرة للغاز افضل منه لمنظمة الدول المصدرة للنفط. لأنه مع وجود كميات قليلة من النفط فإن لبنان يكون تابعا وليس مقررا داخل المنظمة. لأن حجم الدور الذي تلعبه كل دولة يتوقف على حجم المخزون والانتاج من النفط، وهذا ليس من مصلحة لبنان.
هذا فضلا عن ان البديل المحتمل للنفط هو الغاز، ودخول لبنان الى هذه المنظمة سيكسبه أهمية استراتيجية على المدى الطويل نظرا للدور المهم الذي سيلعبه في المستقبل. وعليه تكمن أهمية معرفة المخزون لتقرير الإدارة. فعلى هذا الصعيد، وبعد قوننة هذا القطاع وسن التشريعات اللازمة لحمايته، يجب رسم السياسات الاستراتيجية عن طريق إنشاء هيئة متخصصة للقيام بدراسات الجدوى ورسم الخطوط العريضة لإدارة المخزون الفعلي للثروة.
هذه الهيئة مهمتها منوطة بإعداد خطة تقييمية استراتيجية للثروة النفطية تبدأ بتحديد سبل الإدارة وتنتهي بإنشاء الشركة الوطنية للنفط. هذه الهيئة، من مهامها الرئيسية، تقدير ما إذا كان المخزون تجاريا قادرا على در الريع السريع للبنان ام الانتظار لفترة زمنية حتى ارتفاع الأسعار.
ام ان يتم توجيه الانتاج الى للاستهلاك الداخلي قبل الخارجي ذلك لاعتبارات تتعلق بالنمو الاقتصادي ودعم العجلة الاقتصادية. وعلى صعيد آخر، وفي الإطار الاداري، لابد من تكامل كل من القطاعين العام والخاص في إدارة قطاع النفط. فالإدارة العامة هي الراعي الشرعي لهذا القطاع والرقيب عليه.
والإدارة الخاصة المدير المباشر وخاصة انه لمن الواضح اللجوء الى تلزيم القطاع الخاص إدارة هذا المرفأ عن طريق عقود الـ«b.o.t» نظرا لضعف الخبرة لدى القطاع العام. وهنا لابد من الاشارة والاستفادة من النموذج النرويجي الأكثر نجاحا وانتشارا بين الدول المنتجة للنفط الذي يقوم على إنشاء الشركة الوطنية للنفط (العامة، الخاصة) المملوكة للدولة بمشاركة القطاع الخاص. وتتوقف نسبة المشاركة على مدى قدرة الدولة في القيام بالمشاريع التمهيدية منفردة.
هذه الشركة هي المالكة للاحتياطي ولها الحق في التصرف في المخزون والانتاج والعرض، ولها الحق المطلق في عمليات الاستغلال والتطوير والتنقيب الجديدة، أي كل ما يتعلق بالثروة، والتي غالبا ما تكون قراراتها لا تتناسب مع مبادئ السوق بقدر تناسبها مع السياسة الحكومية نظرا للترابط بين أهدافها.
وتتوقف قوة هذه الشركة ومركزها العالمي على وضعية المخزون والانتاج والتوزيع. فكلما كان المخزون من النفط مهما، كلما زاد مركزها وقدرتها التفاوضية مع القطاع الخاص الذي يناط به الدور الخارجي من عمليات تسويق وبيع وإدراج في البورصات العالمية وغيرها من عمليات أخرى.
وتحويل العوائد النفطية الى صندوق سيادي مستقل تخضع إدارته والاشراف عليه لسلطة مجلس الوزراء ككل، او إنشاء وزارة متخصصة للنفط توكل اليها هذه المهمات نظرا لحجم المسؤولية المترتبة على هذا القطاع. فالتكامل بين القطاعين العام والخاص في صناعه النفط امر حتمي لإنجاح مراحله اللاحقة، فالقطاع العام لا يستطيع النهوض بالقطاع نظرا لفقدانه لمكونات ومقومات جلة، من هنا تبرز الحاجة الى القطاع الخاص الذي يكون دوره مكملا.
فالقوننة وتحديد سبل الإدارة تعتبر من المراحل التمهيدية لمخطط صناعة النفط الهادفة الى حماية وتشغيل هذا القطاع. لذلك يجب القيام بدراسات لتحديد الأدوار المطلوبة لتحقيق حوكمة وإدارة فاعلتين عبر إيجاد تعريف غير ملتبس لأدوار جميع الجهات المعنية في قطاع النفط والغاز ومسؤولياتها، فضلا عن فصل واضح للمهام الذي يساعد في موازنه السيطرة القوية للدولة على الموارد الوطنية.