المستشار القانوني د. محمود ملحم والمستشار د. دانييل ملحم
في سياق متصل، يجب على الدولة تهيئة البنى التحتية الفاعلة لكي تكون قادرة على استيعاب استثمارات كبيرة ويد عاملة فينة ومتخصصة ورخيصة وانشاء مراكز دراسات علمية متخصصة ومرافئ تصدير وغيرها من بنى وفق معايير واطر تشغيلية تتناسب مع المعايير العالمية والبيئية. هذا بالاضافة الى اقامة علاقات دولية متوازنة تعتمد على المصالح المشتركة المتبادلة، والابتعاد عن التهديد والتدخل وتطويع هذه العلاقات لخدمة القضايا الداخلية خشية من هجرة رؤوس الاموال الجبانة امام المخاطر المرتفعة.كل هذه الخطوات التمهدية والاجرائية الهادفة الى خلق بيئة آمنة لجذب الاستثمارات الاجنبية التي تعتبر حجر الزاوية التي تعول عليه الدولة لتمويل مشاريعها النفطية. فصناعة النفط تعتبر من الصناعات التي تحتاج الى رؤوس اموال واستثمارات كبيرة، والدولة ايا تكن، لا تستطيع القيام والنهوض بهذا القطاع منفردة لانه يستنزف طاقاتها ومقدراتها المالية. لذلك تأتي الحاجة للقطاع الخاص من الباب الواسع. فالقطاع الخاص يمتلك امكانات وقدرات مالية وتكنولوجية ولوجستية وتقنية هائلة تمكنه من وتطوير هذا القطاع. هذا بالاضافة الى ان سوق النفط يخضع لتأثير مباشر من الشركات النفطية العملاقة التي تحتكر التقنيات المتقدمة المستخدمة في عمليات الاستكشاف والتنقيب والاستخراج والتكرير والتي يقتصر تسويقها عليها او على الدول والمجموعات الاعضاء في نادي هذه الشركات. وهنا تكمن اهمية اختيار الشركات المستثمرة خلال عملية استدراج العقود. هذه الشركات لديها القدرة والمكانة للتأثير سلبا على قدرة لبنان التفاوضية وذلك لاعتبارات تتعلق بالمخزون. مثلا، ان يحصل لبنان على عقود ذات عوائد مرتفعة، فهذا امر يصعب تحديده نوعا ما نظرا لحجم المخزون المكتشف على السواحل اللبنانية. هذه الشركات تسيطر على 80% من الانتاج النفطي العالمي وعلى 70% من عمليات صناعة التكرير. لذلك، اذا كان المخزون النفطي صغيرا نسبيا، فانه ليس من مصلحة هذه الشركات الدخول الى السوق اللبناني لارتفاع التكاليف وخفض الربحية وهذا ما سيضعف مركزه التفاوضي كذلك عوائده. فيكون بذلك مضطرا الى التنازل عن جزء من عوائده لمصلحة هذه الشركات. من ناحية اخرى، ان منح العقود لشركات تابعة لدول كايران مثلا، تترتب عليه مخاطر كبيرة نظرا لتأرجح علاقتها مع الغرب. ومن تداعيات هذه المخاطر هروب رؤوس الاموال الاجنبية المستثمرة في هذا القطاع. هذا فظلا عن النقص الحاصل في التكنولوجيا والتسويق لدى هذه الشركات نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها وعدم قدرتها على حماية استثماراتها الخارجية. يبقى الشركات الآتية من دول الباحثة عن مكانة اقتصادية وسياسية هامة على الساحة الدولية كالمانيا والصين والهند. هذه الدول تحقق معدلات نمو مرتفعة وهي بحاجة وفي بحث مستمر عن مصادر للطاقة وتنوعها. لذلك فان من مصلحة لبنان التفاوضية الدخول مع هؤلاء الدول المالكين لرؤوس الاموال ولتكنولوجيا اللازمة. هؤلاء الدول المتقدمة والمتطورة قادرين على حماية استثماراتهم الخارجية نظرا لمكانتهم الدولية الهامة. وبالتالي يكون لبنان المستفيد الاكبر: اضافة الى عوائده النفطية المرتفعة، هناك فائدة غير مباشرة تتمثل في المظلة الدولية التي يمكن ان تعطيها هذه الدولة للبنان حماية لمصالحها على ارضه.
على صعيد التمويل، صعدت مؤخرا اصوات مطالبة بإدخال القطاع الخاص الوطني في هذه الاستثمارات، وبان هناك اموال مكدسة في هذا القطاع يمكن الاستفادة منها، ونحن نشجع القطاع الخاص على الدخول في مشاريع كهذه، ولكن هل لديه الخبرة والنضوج للدخول في استثمارات كصناعة النفط؟ ناهيك عن ان هذه الخطوة تحتاج الى اموال كثيرة، وسحب الاموال المكدسة للاستثمار في النفط سيؤثر سلبا على باقي القطاعات مثل العقارات وبالتالي على الاقتصاد الوطني. فقطاع العقارات في لبنان لا يحكمه الطلب الخاص بقدر ما يحكمه طلب المستثمرين. وتحويل اموال من قطاع الى اخر يؤدي الى انهيار هذا القطاع، فهل يتحمل الاقتصاد تبعات هكذا خطوه؟ من هنا تأتي اهمية استقدام رؤوس اموال اجنبية في قطاع النفط نظرا لقدرتها على تحمل المخاطر هذا بالاضافة الى الفائدة المترتبة عليها لصالح الاقتصاد الوطني جراء دخول نقد اجنبي.
ان هذه المرحلة من صناعة النفط تعد من اهم المراحل وتعتبر حجر الزاوية لنجاحه. فان اي خلل يحدث في هذه المرحلة يعود على الدولة بتكاليف كبيرة ناهيك عن الوقت. لذلك يجب على الدولة القيام بالدراسات الاقتصادية القائمة على اسس علمية متينة وتهيئة بيئة استثمارية سياسية امنية متكاملة ومريحة لجذب واستيعاب راس المال الاجنبي للوصول الى المراحل العملانية دون عوائق.