وبما أننا متجهون نحو الخصخصة إلا أننا لا نعلم ما إذا كنا متجهين إليها عن طريق خط سريع يتضمن عسف القوانين الحالية لصالح الخصخصة أم اننا متجهون إليها من واقع العقل والمنطق، فالعقل يفرض علينا الحكمة وينحي الاستعجال في الأمر وذلك لكي لا نخلق من الحل مشكلة كبيرة يصعب حلها في حالة فشل تجربة الخصخصة في الكويت.
فالخصخصة شكل من أشكال الإقطاعية التي ظهرت في مصر وسورية والعراق في الحقبة العثمانية ثم ألغي تماما في زمن الجمهوريات بدليل أن الإقطاعية كانت لونا من ألوان العبودية، فالملاك «الإقطاعيون» ظهروا بصورة الأسياد في المجتمع والفلاحون هم الطبقة الكادحة التي ليس لها أي حقوق سوى الأجر الزهيد الذي يتقاضاه الفلاح من صاحب العمل وكانت حركة الإصلاح الزراعي من أهم الشعارات التي ظهرت لتدمير الإقطاعية (من قبل الجمهوريات العربية) والتي يمكن لنا أن نفسرها بأنها اليد الخفية للدولة العثمانية على الشعوب العربية فالإقطاعي يلقب بـ «الباشا» والباشا تسمية تركية لرفع مقام سيد القوم، أما خصخصة اليوم فهي إقطاعية الأمس إن كانت تميل إلى استخدام القوانين الحالية لقمع العمال بجميع تخصصاتهم كما أن الخصخصة هي لون من الألوان الأساسية الأربعة للرأسمالية الحديثة وقد طالعتنا الصحافة بالكثير من الأخبار خلال العقدين الماضيين بأن «الهوة اتسعت أو بدأت تتسع بين الأغنياء والفقراء»، وقد تكون كذلك في زمن قياسي لأنه لا توجد روادع قانونية عادلة بين أصحاب رؤوس الأموال والعمال وهذا ما نخشاه مستقبلا أو بمعنى آخر، قبل أن نكون رهائن مختطفين على طائرة الخصخصة.
أخيرا، يروي أحد أفراد حاشية المغفور له – بإذن الله تعالى - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود من خلال برنامج وثائقي على قناة bbc أن أحد الأجانب قام بإهداء أول سيارة للملك عبدالعزيز - رحمه الله - فتقدم السائق إلى الملك الواقف وسط حاشيته وطلب منه الركوب في السيارة، فصاح أفراد الحاشية وطلبوا من الملك عدم الركوب بداخل «الجنية» وهي السيارة بتعبيرهم، وقد سميت بهذا الاسم من قبل حاشية الملك لأنهم لا يعرفون هذه الآلة الجديدة، فذهب الملك بالسيارة بعد أن رفض توسلاتهم إليه والتي تمنعه من ركوب السيارة فأخذ جولة في مدينة «الدرعية» بعد أن تركهم يبكون على وفاته بعد أن اختطفته «الجنية» وبعد قليل عاد الملك بالسيارة فاستبشروا خيرا وتهللت وجوههم بعودة الملك سالما، وأخذوا يهنئون بعضهم البعض على سلامة الملك وعودة الجنية به من جديد، واليوم نجد ملايين الجنيات - أي السيارات - تجوب شوارع المملكة العربية السعودية وتقدم الكثير من الخدمات للشعب السعودي على الرغم من رفض حاشية الملك لأم الجنيات عند مشاهدتها لأول مرة وأتمنى أن تكون قصة الخصخصة في الكويت مشابهة في إيجابياتها لقصة أم الجنيات «السيارة» مع الملك عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله).