لو لم يقم الجنود الإسرائيليون بقتل بعض ركاب سفن السلام والحرية لقلت إنهم ليسوا يهودا لكنهم بهذا التصرف أثبتوا يهوديتهم للعالم أجمع اذ ان شريعة القتل كانت ولاتزال بالنسبة لهم العمود الفقري لبقائهم، فقد كانت أيدي آبائهم وأجدادهم ملطخة بدماء الأبرياء على مر العصور فقد ذكر سفر يوشع بن نون انه عندما تولى (يوشع بن نون) قيادة القبائل اليهودية في صحراء سيناء عام 1186 قبل الميلاد تمكن من احتلال مدينة أريحا الكنعانية وقد ذكر سفر (يوشع بن نون) ان اليهود أهلكوا جميع ما في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ وحتى الدواب والبهائم تمت ابادتها بحد السيف.
وكذلك قامت جيوش (يوشع بن نون) بقتل سكان مدينة (عاي) الكنعانية والبالغ عددهم 12 ألف نسمة، أما استراتيجيتهم القتالية فتعتمد على مبدأ الصدمة والرعب وقد جاء غزوهم للكنعانيين بطريقة انقضاض جموع بدوية جائعة على جماعات مدنية آمنة مستقرة. ولم يذكر التاريخ في تلك الفترة اي نوع من الاسراف بالقتل والاستمتاع به الا في الحروب اليهودية ولو بحثنا في الدوافع لوجدنا وصيتهم الجامعة في كتبهم الدينية القائلة: اهدم كل قائم، لوث كل طاهر، احرق كل أخضر، كي تنفع يهوديا بفلس، وقد أقام يوشع بن نون حكمه على المثل القائل: ان اكثر الناس تقتيلا هم أكثرهم بقاء، وعلى هذا الأساس فإن الحرب اليهودية منذ القدم وحتى يومنا هذا قائمة على انعدام العواطف والقسوة المفرطة وقد شاهد العالم أجمع كيف قام جنود اسرائيليون مدججون بالسلاح بقتل مدنيين عزل على ظهر سفن اسطول الحرية العالمي المتجه لغزة، وذلك بهدف قطع أرزاق البر والبحر عن شعب غزة الذي فرضت عليه حكومة اسرائيل حصارا أبديا.
وقد كان طابع العنف والحقد على الخصوم مبدأ مهما في الفكر اليهودي فعلى سبيل المثال قام عدد من طلاب جامعة (خاركوف) الروسية عام 1882 بتأسيس جمعية تحت اسم (البيلو) دعوا فيها يهود العالم الى قيام قومية يهودية والعمل على العودة الى ارض فلسطين لاستعمارها واستيطانها، اما (اسرائيل زانغويل) مؤسس المنظمة الصهيونية لاستعمار فلسطين فقد أعلن قائلا: «ان فلسطين وطن بلا شعب فيجب ان تعطى لشعب بلا وطن، وان واجب اليهود في المستقبل ان يضيقوا الخناق على سكان فلسطين العرب ليضطروهم الى الخروج منها». اما في مؤتمر بازل الذي عقد بسويسرا عام 1897 وهو أول مؤتمر صهيوني عالمي برئاسة تيودور هرتزل وقد حضره مئتان وأربعة من مفكري اليهود تم من خلاله وضع الخطة الميدانية لقيام دولة اسرائيل في فلسطين ومن خلال هذا المؤتمر قام تيودور هرتزل عام 1901 بإجراء اول خطوة تنفيذية حيث قام بالاتصال بالسلطان عبدالحميد الثاني خليفة المسلمين في تركيا وعرض عليه (خمسين مليون ليرة ذهبية) مقابل شراء أراض في فلسطين بعد ان علم ان الحكومة العثمانية تمر بضائقة مالية هذا بالاضافة الى مساعدات اخرى وقد رفض السلطان عبدالحميد كل الاغراءات الصهيونية ورد على وسطاء تيودور هرتزل قائلا: «انصحوا د.هرتزل بألا يتخذ خطوات جديدة في هذا الموضوع لأني لا استطيع ان أتخلى عن شبر واحد من الأرض فهي ليست ملك يميني بل ملك شعبي، لقد قاتل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم فإذا مزقت امبراطوريتي فلعلهم يستطيعون آنذاك ان يأخذوا فلسطين بلا ثمن، ولكن يجب ان يبدأ ذلك التمزق أولا في جثثنا، واني لا استطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة»، وهكذا وبهذه الكلمات الذهبية حدد السلطان عبدالحميد موقفه من هرتزل وقد مات هرتزل ولم يحصل على شبر واحد من ارض فلسطين بعد ان اصدر السلطان عبدالحميد قرارا بمنع اليهود من الاستيطان في فلسطين بعد ان علم بنواياهم، ولكن بعد سقوط الخلافة العثمانية على يد أتاتورك وخروج بريطانيا منهكة من الحرب العالمية الثانية استطاع يهود مؤتمر بازل اغراء الحكومة البريطانية بالمال مقابل وطن قومي في فلسطين وقد تحقق لهم ذلك على لسان وزير الخارجية البريطانية بلفور بإعطاء وعد لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين وتحت هذا الغطاء دخلت العصابات الصهيونية الى ارض فلسطين وهي مزودة بالأسلحة الأوتوماتيكية الجديدة وطبقوا مبدأ يوشع بن نون السابق الذكر فأرعبوا الفلسطينيين فهربوا الى الدول العربية المجاورة وهذه العصابات هي (الهاجاناه، كاخ، شتيرت، زفاي، وغيرها) وهذه العصابات كانت النواة الأولى لجيش الهجوم الاسرائيلي الذي شن الغارة على رسل السلام في عرض البحر.
ويعتقد الاسرائيليون ان اسلوب العنف والقتل المفرط هو السلاح السري لبقاء دولة اسرائيل ولكن الحقيقة هي ان هذا الأسلوب سيكون بالمستقبل السبب الجوهري في ابادتهم بعد ان بنوا أجيالا من الحقد عليهم في قلوب جيرانهم وأعدائهم المحتملين والذين قد ينتصرون عليهم في أي معركة مستقبلية. وهذا ما يؤكده لنا القرآن الكريم بأنهم سيبادون في فلسطين في يوم ما في المستقبل فأرض الميعاد المزعوم بالنسبة لهم هي ارض الفناء لهم بالنسبة للمسلمين وقد لفتت انتباهي قصة بهذا الشأن رواها لي احد اصدقائي الفلسطينيين وهو مقيم في الكويت ولازالت أسرته تعيش في مصر، حيث ذكر لي انه وبعد ان اعلن بن غوريون قيام دولة اسرائيل في فلسطين في 15 مايو 1948 دخلت عليهم جارتهم اليهودية وهي تبكي وتصرخ قائلة: لعن الله بن غوريون لقد أعلن قيام دولة اسرائيل وسيجمع بها يهود العالم من أجل ابادتهم، انها ارض الفناء لليهود وأنا سأبقى في مصر ولن أذهب الى هناك أبدا.
ومن جهة اخرى، فإنه لا يمكننا القول مطلقا بأن اسرائيل دولة علمانية بل هي دولة دينية ولم ولن تهزم على يد دولة علمانية أبدا بل ان الدول الدينية الاسلامية كدولة صلاح الدين مثلا وقطز او حتى ميليشيات حزب الله الدينية الشيعية هي فقط وحدها القادرة على هزيمة دولة اسرائيل فاليهودي بطبيعته السلوكية متمسك بالحياة الأبدية وقد أكد ذلك قوله تعالى: (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة)، أما المقاتلون الدينيون او العقائديون فانهم يتمنون الموت أمام أعدائهم طلبا للشهادة في سبيل الله، وفيما يخص الصراع القائم على اطروحات ارنستو تشي جيفارا والمنظمات الثورية والحروب العربية ضد اسرائيل والقائمة على اساس بعيد عن الدين فقد أثبتت فشلها باستثناء حرب 2006 والتي فشلت فيها القوات البرية الاسرائيلية المزودة بدبابات (ميركافا) العالية التحصين من التوغل في الجنوب اللبناني بسبب شراسة المقاتلين العقائديين اللبنانيين هناك.
أخيرا، كل الشكر والتقدير والثناء لأبناء الكويت الذين شاركوا في قافلة الحرية والحمد لله على سلامتهم، كما أسأل الله ان يتغمد شهداء الأتراك بواسع رحمته ويلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأقول لهم ان رسالتكم وصلت للعالم أجمع، أما زملاء الصحاف في الجيش الاسرائيلي فأقول لهم: لن يصدقكم أحد بعد هذه الحادثة ومن يصدقكم فهو مغفل بامتياز.