قد يظن البعض انني قمت بعملية تطبيع فكري مع اسرائيل والحقيقة انني اخترت الجوانب الايجابية التي تعمل بها دولة اسرائيل، فالعلم والتعلم هما المحور الاساسي لبقاء اسرائيل واستمرار تجاوزاتها السياسية والاستخباراتية حتى وان اخفقت فيهما في بعض الاحيان.
فإسرائيل دولة فقيرة الموارد الطبيعية لكنها دولة صناعية وصناعاتها العسكرية محل ثقة في السوق العالمية، ناهيك عن ثقلها العرقي في جميع انحاء العالم فالجمعيات اليهودية في الولايات المتحدة الاميركية تصل الى اكثر من 20 جمعية وتجمعا، كما انها تضم رجال مال واعلام ماهرين في اعمالهم وتكاتفهم امام الآخرين، بالرغم من الخلافات العميقة التي يعانون منها منذ الازل.
وعودة الى العلم والمعرفة في اسرائيل نجد ان الانفاق الاسرائيلي السنوي على العلم بلغ اكثر من 350 مليون دولار، اما في الدول العربية من المحيط الى الخليج فيبلغ 80 مليون دولار وهذا المبلغ يعني انه لا قيمة للعلم عند العرب مقارنة بعدد السكان والمساحة الجغرافية اضف الى ذلك ان اسرائيل لديها اهتمام ملحوظ بالمبدعين والعباقرة والمخترعين بعكس العرب الذين اجادوا فن هجرة العقول الى الغرب، كما ان الزراعة والابحاث الزراعية والاستثمار الزراعي لا مثيل لها في المنطقة.
وهناك روايات تقول ان بن غوريون الذي اعلن قيام دولة اسرائيل هو اول من ابتكر المحميات الزراعية وكان يحمل دكتوراه في الزراعة، واصر على ترك الحكومة الاسرائيلية مقابل مواصلة ابحاثه الزراعية، كذلك قام الاسرائيليون «اصدقاء العلم» باستصلاح صحراء النقب القاحلة وذلك برش تربتها الصحراوية بمادة «الزفت» التي تستخدم في تمهيد طرق السيارات ومن ثم جلب تربة طينية زراعية من شمال اسرائيل لغرض الزراعة وقد نجحت الفكرة فقاموا بزراعة آلاف الكيلومترات المربعة بهذه الطريقة.
ولا ننسى طبعا البطيخ الذي يستزرع وينمو من دون نمو حب بداخله وما خفي عني وعن كثيرين فهو اعظم.
اما حياتهم السياسية الداخلية فهي تسير وفق نظام محدد يسمح بمحاسبة المتجاوز حتى وان كان رئيس اسرائيل وقد وقع في هذه المحاسبة رئيس اسرائيل ورئيس مجلس وزراء اسرائيل السابق إيهود أولمرت في قضايا مختلفة.
اما في الدول العربية فلا نزال الى الآن نسمع ونرى ان نسبة الاصوات التي حصل عليها الرئيس في بعض الاقطار العربية قد بلغت 99.99%، فقط بقي صوت الرئيس ليدلي به كي يكمل 100%.
وفي الكويت على سبيل المثال نعيش في حالة من الجرعة الزائدة للديموقراطية مقابل التخلي عن العلم والصناعة ولعل السبب في ذلك يعود الى المشاكل الداخلية التي سببتها لنا هذه الديموقراطية فأصبحت الدولة كحالة مشابهة لاب يقود باصا سياحيا وكل في هذا الباص يريد القيادة حتى وان كان لا يعرف القيادة او لا يستطيع ان يرى او ليست معه رخصة قيادة فشغلوا الركاب المسالمين وشغلوا قائد الباص عن قيادته، اما الصناعة في الكويت فهي مجرد اسم من دون مضمون لان الفكر المعتق الذي انتشر منذ 76 عاما مضت لايزال يرى صانعوه يقولون نحن دولة نفطية ولا نحتاج الى صناعة، وعليه عطلت او تم تعطيل الصناعة من خلال القوانين والعقبات المجحفة والتي وقفت عائقا امام المصنع الكويتي الذي اتجه الى تجارة الماعز والاغنام ورعيها بجانب حقول النفط، ولم يعلم اصحاب الفكر النفطي ان ظهور النفط قام بسحق الفكر المتعلق بالاعتماد على الفحم الحجري كمصدر للطاقة ولم يعلم اصحاب الفكر النفطي الى الآن ان اختراعا علميا بسيط قد يحول النفط واموال النفط الى خبر كان وعندها تبدأ صناعة الكويت ولكن بعد فوات الاوان.
واخيرا ومن خلال نظرة سريعة الى الشؤون الادارية في الدولة نجد ان راية الكفاءة تم اسقاطها مقابل راية المحسوبية والمجاملة السياسية والاقتصادية والدينية فوضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب لواسطته.
وهذا هو حالنا الآن، وسر تراجعنا امام تقدم جيراننا علينا، بل ان الادهى والامر من ذلك ان ابناء الكويت الذين يحملون شهادات عالية التخصص صدموا من هذا المشهد الاداري الفاسد فهربوا من الكويت مهاجرين الى دول الجوار او الى الدول الاوروبية واميركا وذلك لتحقيق طموحاتهم العلمية بما يتناسب مع امكانياتهم الخارقة.
وفيما يتعلق بالتجارة فإنك لن تجد الارض التي ستبني عليها مشروع احلامك فجميع الاراضي مملوكة للدولة وان تمردت وأقمت مشروعك، وتجاوزت احد الشروط فحتما ستواجهك المعدات الثقيلة لفريق الازالة، لتساويه لك بالارض ثم تقول لنفسك «يا حسافة على هالخسارة». اما ان كان مصنعك العملاق بجانب ام الهيمان فإنك لن تخشى فريق الازالة.
ولكي نصلح امرنا ونصلح ما افسده الدهر علينا ان نجعل قوله تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) شعارنا وعندما يتغير ما في انفسنا نبدأ البناء بسواعد ابنائنا دون الحاجة الى مساعدة ابناء اشقائنا العرب في بنائنا الداخلي ولن نستورد القضاة ولا المستشارين.
فالاسرائيليون هم الذين بنوا اسرائيل ودافعوا عنها وماتوا لاجلها وتجاوزوا خلافاتهم لاجلها وخلقوها من لا شيء وجعلوها شيئا يذكر بل ويؤذي ايضا واستفادوا من العلم للمحافظة عليها جغرافيا وعسكريا واقتصاديا بالرغم من كثرة اعدائهم المحيطين بهم منذ عام 1948 اما نحن فإننا نعيش في حالة وهم من الاحباط فلا داعي للروح المتشائمة الانهزامية التي يروج البعض لافكارها عن الكويت فالكويت باقية ببقاء ابنائها الشجعان المخلصين «الذين لا يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله» حتى وان تعكر ماؤها لفترة فهي باقية وليخسأ الخاسئون المتشائمون من مستقبلها.