التدريس هو اهم قاعدة يمكن الاعتماد عليها لاعداد قادة الدولة في المستقبل، والتدريس له قداسة خاصة عند بعض الدول المتقدمة، وهو القلب النابض لتدفق القوى العاملة على سوق العمل، والتدريس هو البوابة الرئيسية للعلم بكل اصنافه، ويرى علماء التاريخ ان انتشار مدارس العلم في العصور الوسطى بمنطقة الشرق الاوسط هو الدافع الحقيقي لبناء الدول الاسلامية القوية في تلك الفترة، والعلم قد يكون مشوها في هذه الايام، ولو رجعنا الى الاسباب الحقيقية لوجدناها كثيرة ومتعددة ومنها:
أولا: ان كوادر المعلمين الكويتية ضعيفة مقارنة مع باقي الوظائف في الدولة، فمثلا يتقاضى المدرس الاول في المادة الفلانية راتبا قدره 1000 دينار، بينما يتقاضى المحقق الحديث التخرج الراتب نفسه او اعلى منه بقليل، ولم يعلم المشرع لهذه الكوادر ان هذا الموظف يقوم بوظيفة لا تقل اهمية عن الموظف الذي يتقاضى راتبا اعلى منه، فالمدرس يعد الطالب لاستيعاب الاساسيات الاولية للطب والعلوم والهندسة والقانون واللغة وغير ذلك.
ثانيا: عزوف الكويتيين عن هذه المهنة (التدريس) ادى الى الاستعانة بالمدرسين الوافدين، وسبب هذا العزوف يعود الى البند السابق ذكره.
ثالثا: المدرس الوافد لا يتقاضى من الراتب ما يسد حاجته المعيشية داخل الكويت بما يرضي الله ورسوله ولا يستطيع ان يرسل لاهله الاموال اللازمة التي من اجلها تجرع الغربة.
رابعا: كثير من المدرسين الوافدين غير مؤهلين ميدانيا ليكونوا مدرسين، والسبب يعود الى ان اللجنة التي اختارتهم بحاجة الى تأهيل، وانا شخصيا اعرف مدرسين يدرسون في بعض المدارس الكويتية وهم يعانون من امراض نفسية، ويتضح ذلك من خلال سلوكهم المشين مع الطلبة، ويصف بعض الطلبة هذه الحالات النفسية قائلا: ان مدرس المادة الفلانية فيه «وشة» والآخر «رقلة»، وهذا لا يصح ابدا، ان كان هناك من يريد ان يبحث عن السير بالاتجاه الصحيح.
خامسا: هذه الحالة المزرية التعيسة زادت تعاستها المناهج التعليمية التي وللاسف لم تصنعها اياد كويتية بل نجدها على اغلفة الكتب تحمل مستشارين ومشرفين غير كويتيين (عرب) والطامة الكبرى ان تقوم وزارة التربية بالتباهي بها على اعتبار انها جاءت من المركز الفلاني الاميركي او الاوروبي، ولم يعلموا ان هذه المراكز اخطأت عندما اعدتها على اساس احترام العلم ومدرسيه في اراضيهم، واعتقدت خطأ ان مناخ التعليم في الكويت مشابه لمناخ التعليم عندهم، والضحية هم ابناؤنا الذين يدرسون منهج مادة العلوم مرتين في الصف الخامس وفي الصف العاشر، ويتضح في النهاية ان منهج مادة العلوم في الصف الخامس اصعب منه في الصف العاشر.
الحل: لنعود الى المنهج الدراسي الاماراتي لأنه وضع بأيد امينة واثبت جدارته.
سادسا: المدرس الخصوصي: ومن هذه الاوراق المبعثرة على طاولة التعليم في الكويت ظهر لنا مارد «المدرس الخصوصي»، وهو مشابه تماما لمارد الصلاخ او الجزار غير الشرعي لأضاحي العيد، والذي يظهر كل عام في الكويت اعتبارا من اليوم الاول للعيد، فالصباغ والبناء والحداد والكهربائي والبنشرجي وصاحب التاكسي وعامل القمامة وغيرها من المهن يتحولون بقدرة قادر الى جزارين يأخذون على الرأس 5 دنانير، لكن خطرهم اعظم بكثير لو تحولوا الى مهنة المدرس الخصوصي الذي يضع تلفونه في الاعلان المبوب في الجرائد الاعلانية على مرأى ومسمع من المسؤولين في وزارة التربية، وكأنه يبيع اللحم الفاسد والفواكه بالشارع، ومن هو هذا المدرس؟ ما مؤهلاته؟ هل لديه ترخيص مصدق من وزارة التربية ليمارس هذه المهنة؟ وهل يعمل في الصباح مدرسا حكوميا وفي المساء يعمل كعيادة متنقلة لممارسة هذه المهنة التي تخالف القوانين واللوائح التي من اجلها استقر في الكويت؟ وهل هناك قوانين رادعة لمثل هذه الحالة لدى وزارة التربية؟ واذا كانت هناك قوانين فالامر لا يحتاج الى اي مجهود فتلفونات المتهمين موجودة في الجرائد الاعلانية.
واخيرا، اذا استمر هذا الحال على مثل ما هو عليه، فإن قادة الكويت المستقبليين سيكونون في الصباح قياديين وفي المساء بنشرجيين (مع احترامي للبنشرجيين) ويعود السبب في ذلك الى انهم تتلمذوا على أيدي مدرسين بنشرجية مسبقي الدفع.