بعد حمى الاعتداءات الإرهابية التي اجتاحت الكنائس العراقية والتي ترمي الى تهجير مسيحيي العراق إلى خارج العراق، جاءت كنيسة الاسكندرية كضحية جديدة لهذا النوع من العنف، وهذا العنف يقع تحت مظلة الصراع السياسي والدولي في منطقة الشرق الأوسط.
وقد بدا واضحا للعيان ان المجتمع العربي والمسلم أبدى استياءه بشدة بل على المستويات كافة من هذه الاعتداءات الآثمة التي راح ضحيتها أبرياء مسيحيون لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث حولهم، ولو عدنا الى العلاقة الإسلامية النقية بين الإسلام والمسيحيين لوجدناها متجلية في أوضح صورها من خلال خطاب الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه (فاتح مصر) والذي عقد صلحا مع الشعوب المنهزمة أمام جيشه وهو كالتالي: «هذا الاتفاق يشمل كل الرعايا المسيحيين، كهنة ورهبانا وراهبات، وهو يضمن لهم الحماية والأمن أينما كانوا حسب مشيئتهم، وبالمثل يحمي كنائسهم ومساكنهم وأماكنهم المقدسة، وكذلك يحمي من يزور تلك الأماكن من جورجيا أو الحبشة، يعاقبة كانوا أم نساطرة، ويحمي كل من يؤمن بالنبي عيسى، كل هؤلاء يجب مراعاتهم لأن الرسول قد كرمهم في وثيقة تحمل خاتمه نبهنا فيها الى أن نكون معهم رحماء وأن نضمن لهم أمنهم»، وقد احترم المسلمون هذه الوثيقة نصا وروحا.
فالإسلام دين التسامح والمحبة ولم يكن دين التعصب والإكراه في العبادة، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم صراحة بأنه (لا إكراه في الدين) وكذلك (لكم دينكم ولي دين) وعبر التاريخ لم تسجل أي عصبية دينية أو إرغام أحد بالقوة على اعتناق دين الإسلام، فالعرب يستمدون شهامتهم وموروثاتهم الاجتماعية الراقية من فترة الجاهلية أي من قبل الإسلام وقد أعلنها صراحة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «جئت لأتمم مكارم الأخلاق»، فالضيف والدخيل على القبيلة (أي المستجير بالقبيلة من أعدائه) له منزلة عالية ويتمتع بمعاملة خاصة تصل الى حد التضحية بأبناء القبيلة من أجل سلامته وقد أبيدت قبائل في شبه الجزيرة العربية بسبب هذا المبدأ. وعليه فإنه ليس من المنطق ان يقوم بهذه الأعمال الإجرامية عربي أو مسلم، خصوصا عندما نقوم بعملية مقارنة بين حادثة تفجير كنيسة الاسكندرية بحوادث التفجيرات التي وقعت في أرض الحرمين وقبلة المسلمين (المملكة العربية السعودية) قبل بضع سنين، لذلك تستطيع القول ان من يقوم بهذه الأعمال الإجرامية ضد الأبرياء سواء اكانوا مسلمين أم مسيحيين ليس في قلبه ذرة من الإيمان بالله وهو أرحم الراحمين، بل انه أشد رحمة من الأم الملهوفة على ابنها المفقود.