لم تكن الذاكرة السياسية غائبة عن الثورة المصرية فالكل يلوح بخصائص هذه الثورة السلبية منها والايجابية، فعلى سبيل المثال ذكرت بعض التحاليل السياسية المضادة لهذه الثورة ان مصر ان لم تعبر هذه الثورة بسلام فستتحول الى العراق رقم (2) وهذا الوهم السياسي خاطئ جملة وتفصيلا اذ ان البناء السياسي المصري يختلف تماما عن البناء السياسي العراقي، بمعنى ان شعب العراق ينقسم الى ثلاث فئات وهي: سنة في الوسط يتمتعون بأعلى نسبة من الحقوق في عهد النظام البائد وشيعة في الجنوب وهم اكثرية، وكانوا لا يتمتعون بأية حقوق من قبل السلطة واكراد في الشمال ويشكلون خمسة ملايين نسمة ويقعون تحت مظلة القمع المتكرر من قبل قوات النظام البائد، ومن المؤكد ان السنة الذين كان رئيس النظام العراقي البائد يزعم انه محسوب عليهم لم يكونوا يكنون له اي حب ولا ينسجمون مع اطروحاته السياسية والعسكرية وقد كان بالنسبة لهم مصدر بلاء ومصيبة مزمنة فقد وضعهم رغما عن أنوفهم سياجا امنيا له ضد الاكراد والشيعة ووضعهم في مصيدته اللئيمة التي تعتمد على نظرية فرق تسد والسنة كانوا يرون ان زوال النظام الصدامي يعني بداية نهايتهم من قبل الاكراد والشيعة، وهذا يعني ان النظام الاجتماعي العراقي تم تصميمه على نظرية فرق تسد والنظام الحاكم جلس طوال هذه العقود في الحكم وبيده صمام الأمان الداخلي للعراق.
اما النظام المصري فهو مختلف تماما عن النظام العراقي السابق فقد قام الرئيس المصري بدعم بقائه من الخارج على اساس ان الاخوان المسلمين سيكونون خطرا فادحا على عملية السلام في الشرق الاوسط واستقراره وقد نجح في ذلك وبالمقابل نسي الداخل، لان المجتمع المصري قائم على المذهب السني من دون منازع وهو سني، كذلك يوجد في مصر الاقباط المسيحيون وهم قلة ولا يشكلون خطرا داخليا على مصر وأهل مصر ولكن ما استجد في الامر انه وبعد كبر الابناء بالسن وبلوغ الرئيس مبارك خريف عمره اي فوق 80 عاما استطاع بعض حاشيته التدخل في شؤون الحكم وبني هذا التدخل على المصلحة الشخصية فأصبح الوطن وليمة دسمة لهم دون علم الرئيس فتفشت البطالة بين الشباب واظلم مستقبلهم امام وجوههم واستطاع الشباب التونسي نيل مبتغاه بخلع الرئيس فثار شباب مصر واستخدموا اسلحتهم الحديثة المتمثلة بتكنولوجيا الاتصالات اضف الى ذلك التعسف الامني من قبل قوات الأمن المصرية المتمثل بالتعذيب المرتبط شكلا ومضمونا بقانون الطوارئ فالمشكلة في مصر تنحصر بين الشعب والنظام الحاكم.
واختصارا نستطيع القول ان ما حدث من تفكك للعراق بعد سقوط نظامه السابق لن يحدث لمصر بأي حال من الاحوال فقد اعتاد نظام الحكم في مصر على الانقلابات السلمية التي لا تدخل الشعب كطرف في الصراع السياسي، الا ان الشعب دخل عنوة بسبب حالة الاحتقان السياسي الداخلي في الشارع المصري فأصبح الشعب الذراع اليمنى لحركة 25/1/2011 التي حولت مصر من حال الى حال واستطاعت جني مكاسب على ارض الواقع اما الاحزاب السياسية في مصر فلن تستطيع ان تستفيد من هذه الحركة الشبابية لانها ستكون مكشوفة الاوراق امام الحزب الحاكم الذي يعرف تماما ماذا تريد هذه الاحزاب وبالتالي فهي مكشوفة امام حركة 25/1 الشبابية التي تستمد قوتها واطروحاتها واعمالها الميدانية والفكرية من الثورة التونسية بل ان شباب الثورة التونسية والمصرية أصبحوا اليوم في خندق واحد يتبادلون فيه الخبرات والتطلعات والحركة التصحيحية في مصر وتونس بل وسيكون هؤلاء الشباب قاعدة انطلاقات ثورية لبعض البلدان في الشرق الاوسط الذي ألمحت به وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون بأنه مقبل على عواصف سياسية هوجاء ان لم تتم معالجة الاوضاع المعيشية من قبل رؤساء هذه الدول لشعوبهم، تلك هي الحالة المصرية المضطربة حاليا والمستقرة مستقبليا.