مفرح العنزي
قد يعتقد البعض ان سخونة الاجواء الشعبية في الكويت هو شر لأهل الكويت والحقيقة انه خير لهم إذا لم يكن التأزيم في المجلس بين السلطتين ناجما عن فراغ في السلوك السياسي والاخلاقي، بل هو في الحقيقة نتاج واضح للمجاملات وتجاوزات القانون التي ليس لها نهاية بين السلطتين، والتضحية بالأهم من اجل نيل المهم حتى وصل الحد ببعض النواب الى التطاول على رموز السلطة في البلد، وهناك بعض النواب الذين يدعون الدين ولكن تصرفاتهم ومقترحاتهم التي تدل ضد الشعب على انها قادمة من تكريت وتحديدا من مسجد المقبور صدام في تكريت ان جاز التعبير.
كل هذا يحدث والحل كان يتهامس به المواطنون، اما اليوم فقد علت الصيحات التي مفادها «نريد تطبيق القانون» القانون هو الملاذ الاخير للحاكم والمحكوم والعدل هو اساس الملك، وان غاب العدل غاب الملك وغابت الشمس ودخلنا في ظلام سرمدي.
فقد أراد وزير الداخلية ذلك الرجل القيادي العسكري المنظم فكريا وتنفيذيا تبرير استخدامه للشدة في تطبيق القانون من خلال اللقاء الصحافي بديوانية الاخ فرحان الوقيان بالجهراء، لكنه فوجئ بالحضور انهم فعلا يريدون تطبيق القانون ويريدون ايضا ان تصل هيبة رجل الامن الى اعلى مستوياتها في الشارع الكويتي، وقد تألم وزير الداخلية لهذا المطلب قائلا: «في حالة تغليظ العقوبة على المعتدي على رجل الامن فانني سأقع بين امرين احلاهما اليّ مُر فالمعتدي ابن الكويت والمعتدى عليه ابن الكويت ويؤلمني الامر في كلتا الحالتين»، والداخلية كما هو معروف هي جهة محايدة بين القانون والشعب أو بالاحرى هي سيف القانون وليست القانون نفسه، نعم نستاء لما حدث في الصباحية وفي إزالة الدواوين، لكن النظام والقانون يجب ان يكونا فوق الجميع، وقد أكد صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه الله على هذه الجزئية قائلا: «طبقوا القانون ولا تخافوني».
والقانون الكويتي الذي تم تحييده طوال هذه السنين أدى الى فوضى وفساد اداري ومالي في الكويت ليس له حدود ولكل رجل دور ومهمة وزمان، فوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد لديه من المؤهلات والخبرات ما يكفيه لأداء هذه المهمة بنجاح فهو قائد عسكري ورئيس أركان وسفير ووزير وديبلوماسي يعرف كيف تدار الأمور فهو لم يرسل الى الصباحية لواء المغاوير او فرقة مكافحة الارهاب المزودة بقذائف صاروخية ورشاشات خمسين وقناصة متمرسين، بل ارسل فرقة مكافحة الشغب التي تعتمد في اسلحتها على الغاز المسيل للدموع والهراوات وهذه الفرقة تعمل وتستخدم في مكافحة الشغب في البلدان المتقدمة وليس عليها أي اعتراض من قبل حقوق الانسان أو غيرها وبحسب النظرية العسكرية للمعركة فان هناك نسبة خسائر في المواقف، وظهور الخصوم الجدد، وفقدان الاصدقاء القدامى، وهذا يقع على عاتق المستوى الشخصي لوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد، الا ان الكويت وامنها وقانونها فوق هذا كله بالنسبة لوزير الداخلية.
ووزارة الداخلية ممثلة في وزير الداخلية بحاجة الى قائد شجاع قادر على ان يقوم بواجباته من دون مجاملة أحد، قائد يريد ان يوقظ القانون الكويتي بعد هذا السبات العميق المزمن مهما كلفه ذلك من ثمن.
وفي الدراسات والنظريات العلمية الحديثة والقديمة نجد ان نقطة التحول في أي مجتمع أو حتى شركة يحتاج هذا الامر الى رجل يستحق ان يتولى هذه المهمة وعلى سبيل المثال، ذكر نيقولو ميكاڤللي في كتابه (الأمير) صفحة 142 «هل من الافضل ان تكون محبوبا ام مهابا؟» ويتلخص الرد على هذا السؤال بالآتي: يفضل ان تجمع بينهما، ولكن بما ان ذلك غالبا ما يكون صعبا فانه من الافضل ان تكون مهابا لا محبوبا، فالناس بصورة عامة متقلبون، ناكرون للجميل، ميالون الى تجنب الاخطار شديدو الطمع وهم بجانبك ما دامت الحاجة بعيدة عنهم، ولكن عندما تدنو فانهم يثورون عليك والخراب والدمار هو مصير المسؤول الذي يركن الى وعودهم وعليه فعندما تكون محبوبا لا يتردد الناس في الاساءة الى ذلك المسؤول الذي يجعل نفسه محبوبا الا انهم يترددون في الاساءة الى من يخافونه، فالحب مرتبط بسلسلة من الالتزامات التي قد تتحطم بالنظر الى انانية الناس، خصوصا عندما يخدم تحطيمها مصالحهم، بينما يرتكز الخوف على الخشية من العقاب وهي خشية قلما تمنى بالفشل، ولكن على المسؤول ان يفرض الخوف منه بطريقة يتجنب بواسطتها الكراهية اذا لم يضمن الحب.
فهيبة رجل الامن مطلب اساسي وحيوي، ولكن قبل كل شيء يجب اعداد رجل الامن لهذه المهمة من خلال التدريب والتأهيل والبناء المدروس الذي يخدم هذه المرحلة المهمة في احياء القانون وفوق كل هذا يجب ان يكون رأس الهرم في وزارة الداخلية أحدّ من الحربة إذ «ان جيش الاسود الذي يقوده غزال لا يمكن ان يكون جيش اسود، اما جيش الغزلان الذي يقوده أسد فمن الممكن ان يكون جيش اسود».
فوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد بوطنيته المعتقة الصادقة وبمؤهلاته المتعددة هو خير رجل لهذه المهمة لذلك يجب ان يأخذ وقته الكافي حتى وان وقف الكثيرون ضده وضد غيرته على الكويت.
فهو يعمل بوضوح وجد وليس لديه شيء يخبئه سوى الوصول الى ذروة سيادة النظام والقانون واحترام رجل الامن.
وهو مطلب شعبي وحكومي ايضا كما اسلفنا.