يقول لورانس غريز وولد في كتابه الذي ألفه عام 1954 تحت عنوان «ادفع دولارا تقتل عربيا» لقد كانت الواقعة التي اثرت في نفسي، اكثر ما يكون التأثير ذلك الصيف من عام 1948 حيث كانت الاخبار والتعليقات الخاصة بحرب فلسطين متحيزة تحيزا كاملا فقد بدا وكأن الصحف جميعا لها مراسلون يمدونها بأحداث القتال من تل ابيب، كان صوت اسرائيل قويا جدا في الولايات المتحدة الاميركية.
اما صوت بلاد العرب فكان صامتا، وفي شوارع منهاتن نصبت مكبرات الصوت على السيارات الكبيرة او المنابر وراحت تخور متوسلة الى الاميركيين ان «يعطوا دولارا ليقتلوا عربيا»، وما اعرفه ان العرب مبدعون وحافظوا على حضارات، اما اليهود فلم يوفقوا في شيء من ذلك البتة.
وفي ذلك الوقت كنت اعمل في «المعهد الآسيوي» في نيويورك وكانت اخبار تلك الحرب مشوقة في الصحف والمجلات ولكن كيف تعرف الحقيقة اذا لم تلم بوجهة النظر الاخرى المقابلة لوجهة نظر الصهاينة؟
وعندما اعلنت عن هذا المبدأ اصبحت هدفا لسهام الصهاينة واتباعهم من رجال الفكر وثارت حولي ضجة مغضبة تصم الآذان وسجل ضغط الدم عندي ارتفاعا ملحوظا واصبحت امام خيارين الاول: اما ان اغرق في تيار اليهود الغامر النابح في نيويورك، والثاني: هو ان اتسلح بقذائف قاتلة واهاجم مكبرات الصوت معرضا نفسي للاعتقال أو السجن، فخرج المؤلف في رحلة شاقة الى الشرق الاوسط لمعرفة الحقيقة.
وقد ذهل المؤلف بسلوك هذا الكيان المحتل الذي نسج ادعاءاته الواهية من خلال الاكاذيب والاباطيل خارج حدود دولته اما في دولته فقد عزز وجوده من خلال سياسة الرعب وسفك الدماء والاسراف في قتل اصحاب الارض الاصليين (عرب فلسطين) فالمرأة والطفل والشيخ والشاب متساوون امام فوهة البنادق الاتوماتيكية التي يتسلح بها جيش الاحتلال.
وقد اشار الى ذلك من خلال المبحث رقم 9 تحت عنوان «اسرائيل سرطان» حيث قال: غزيت القرى العربية ودمرت على نحو موصول وطرد سكانها الى مناطق اخرى وضمت الى الاراضي الاسرائيلية بمختلف الحجج والذرائع، وهذه الاعتداءات من الكثرة بحيث يكون من العبث تقديم لائحة بها في هذا المجال وهي مدونة كلها في سجلات هيئة الأمم المتحدة، وكان كل احتجاج تقدمه الدول العربية على هذه الاعمال العدوانية لا يثير عند حكام تل ابيب غير الاستهتار وتحريف الوقائع، ومن هنا لم يعرف المراقبون الدوليون جماعة في هذا العصر اشد منهم نقمة على اعدائهم، واضاف ان دولة اسرائيل سرطان اقحم ظلما وعدوانا في الشرق الاوسط.
وقد ابتليت فلسطين فجأة ـ وهي منذ القدم بلد عربي ـ بذلك الشعب الاجنبي العدواني الغريب عنها غرابته عن مانهاتن نفسها وهو شعب لا موارد له، شعب عالة على الاموال الاجنبية التي ترده من وراء البحار.
وختم قائلا: ان اسرائيل لن تعمر طويلا، واذا ما سمح لها بذلك فعندئذ سيكون بقاؤها على قيد الحياة اعجوبة شريرة.
ومن خلال مجزرة غزة نستطيع القول ان تحليلات لورانس غريز وولد قبل اكثر من خمسين عاما في محلها، بل اصبحت واقعا ملموسا لهذا الكيان الشرير على ارض فلسطين المحتلة ومن المؤكد في حال بقائه على قيد الحياة ان تكون له مجازر مستقبلية في المنطقة فلنستعد لها.