خلق الله سبحانه وتعالى العقل للإنسان قبل الدين ولم يكلفه بالدين إلا بعد الحلم، أي البلوغ، والعقل هو النواة الاولى لمركز القيادة في الإنسان.
ولقد أوجد الله تعالى فرقا واسعا بين الإنسان والحيوان، وهذا الفرق يرتكز على العقل بالدرجة الاولى ثم هيئة الخلقة بالدرجة الثانية، وكان الإنسان افضل الخلق عند الله سبحانه وتعالى، حيث قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).
وكان العقل أفضل وأحب شيء خلقه الله في تكوين الإنسان، وللعقل دور كبير في تفكر وتفكير سيدنا ابراهيم في البحث عن ربه الى ان اهتدى الى ربه الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالي.
ونظرا للمكانة العالية للعقل عند خالقه فقد خاطب الله سبحانه وتعالى عقل الإنسان من خلال آيات بينات كثيره في القرآن الكريم واليك البعض منها:
- (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون- الجاثية: آية 13).
- (أفلا تعقلون- القصص: آية 60).
- (أفلا تعقلون- الانبياء: آية 10 وآية 67).
- (أفلا تعقلون- المؤمنون: آية 80).
- (لعلكم تعقلون- النور: آية 61).
- (ان كنتم تعقلون- الشعراء: آية 28).
فالعقل هو المقصود بالمخاطبة من قبل الله سبحانه وتعالى، إلا أن العقل قد لا يتفاعل بشكل إيجابي مع الخطاب الالهي عندما يكون مظللا أو غافلا أو جاهلا أو مغلفا بالشبهات والمعلومات الخاطئة والتي قد تكون مكتسبة منذ مرحلة الطفولة وما اكثرها. فالجهل يورث الجهل وهذا هو السبب الرئيسي الذي حال دون دخول الكثير من انحاء قبيلة الرسول صلى الله عليه وسلم لدين الإسلام لأنهم تمسكوا بوثنية آبائهم وأجدادهم ولم يقبلوا بالدخول في الاسلام فماتوا وهم كفار.
والعقل من دون علم لا قيمة له. والعقل نوعان الأول تابع أعمى (إمعة) أو صاحب مبدأ (مع الخيل يا شقرا) فعقله يملأ من قبل الآخرين وتوجهاتهم، وعادة ما يكون صاحب هذا العقل ضحية من أول مواجهة، ومن السهل التخلي عنه، ولا يعرف كيف يدير شؤونه الا من قبل سيده، أي انه عقل مملوك للغير.
أما النوع الثاني من العقول فهو العقل الحر الذي يعتمد على العقلانية والمنطقية والمقارنة والاستنتاج في تفكيره ولا يتبع الا الحق وما شابهه ويرفض الانقياد لأصحاب الأفكار المشؤومة التي تستبيح ما حرم الله وتعيث في الأرض فسادا.
والعاقل الفطن منا عليه ان يكون قاضيا محايدا لنفسه في أمور دنياه وآخرته، وعليه ان يعيد الكرة في التفكير بمعتقداته الدنيوية، فمثلا عليه ألا يخسر امنه وطمأنينته مهما كلفه الأمر من ثمن، وعليه الا يبيع نفسه لأعداء امته وان يدرك قيمة الأمن والأمان الذي ننعم به اليوم، وان يقارنه بالخوف والرعب والجوع الذي تعيشه دول أخرى مجاورة لنا قد عصفت بها الحرب الطائفية فأصبحت بها معول هدم للحضارة ومنجلا لحصد رقاب الأبرياء من أبناء الوطن الواحد، فلا يعلم القاتل لماذا قَتل؟ ولا يعلم المقتول لماذا قُتل؟!
انه حقا كابوس مرعب بكل المقاييس.
أما فيما يخص آخرته فعليه ان يتمسك بتعاليم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: «تركت فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي» وهذا هو القول الفصل في الخطاب. وعلينا ألا ننسى بأن أعداء الأمة كثر وقلعتنا الحصينة منهم هو إيماننا بوطنيتنا وتمسكنا بقادتنا ورفض ما دون ذلك من شعارات ومقاصد مشبوهة، وعلينا ان نكون حذرين من كلمات الحق الذي يراد بها الباطل، وقد كثر استخدامها في هذه الأيام.
أما الطائفية والتي اتخذها أعداء الامة جسرا لدمار أوطاننا، فما هي إلا كذبة كذبوها علينا وصدقها الجهلاء من عربنا وأعرابنا واتخذت كمصدر إشعال للفتنة التي قال عنها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: «لعن الله موقظها»، والفتنة تعني استباحة الدماء بين المسلمين وقد حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم فذكر هذه الحالة (الفتنة) التي قد تمر على المسلمين في خطبة حجة الوداع قائلا: «لا تعودوا من بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»، ولاحظ اللفظ (كفارا).
ومع ذلك ومن اجل إصلاح أحوال المسلمين ولإطفاء نار الفتنة قبل ان تقضي على اليابس والأخضر أجاز الدين الاسلامي قتال الفئة الباغية من المسلمين حتى تفيء الى أمر الله، إذ قال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهم فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين- الحجرات: الآية 9).
السنة والشيعة طائفتان مسلمتان عاشوا لمئات السنين معا وقد حكمتهم الاعراف والقيم النبيلة للعرب من شهامة وكرم وحسن جوار وارتبطوا بعلاقات نسب قديمة وحديثه، لذلك لا يمكن لطائفة ان تكفر الاخرى من الناحية العقلانية ولا يمكن لأي فرد في كل منهما قتل الآخر على أساس عقائدي لأن حكم التكفير بيد الله وحده اذ قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) التوبة - آية 105. كما أن التأول على الله لا يجوز. وان كان هناك من يريد الهداية بالقوة لهذه الطائفة أو تلك فعليه ان يترك القوة وأوزارها وان يتخذ مسارا ايجابيا محايدا ينسجم مع تعاليم خالق الخلق والكون الله العزيز الجبار الذي قال في محكم تنزيله: (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين) - القصص - الآية 56.
وقال تعالى: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) - البقرة - الآية 272 .
وقال تعالى: (ان الدين عند الله الإسلام) - آل عمران - الآية 19. ولم يذكر الطوائف أو الأحزاب.
وبالرغم من هذه الآيات البينات من القرآن الكريم، إلا أننا وللأسف نجد ان هناك أفرادا من المسلمين من أصحاب المصالح السياسية بنوا سلم وصولهم للسيادة السياسية على أساس طائفي فأفسدوا في الأرض والله لا يحب الفساد وسفكوا دماء المسلمين والله حرم دماء المسلمين على بعضهم البعض واهلكوا الحرث والنسل واستباحوا الأموال والحرمات فخرجوا عن ملة الاسلام دون ان يشعروا ونسوا أو تناسوا وصف رب الخلق العزيز الجبار لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) الأنبياء - آية 107.
واليوم بالله عليكم أين موقع الرحمة من الإعراب في تاريخ عرب اليوم، انها للأسف نكرة ولا علاقة لها بالإسلام ولن يخرج المسلمون اليوم من فتنتهم إلا بعد أن يحكموا عقولهم ويعودوا لرشدهم وإلى الإسلام الحقيقي النقي من الشبهات وان يكسروا قيود سياسييهم وشيوخهم الموجودة بعقولهم وتفكيرهم ويتحرروا منها ويضعوا ايديهم بأيدي بعض وينسوا الماضي ويحكموا عقولهم ويعيدوا النظر في مكاسبهم وخسائرهم، وحتما سيجدوا خسائرهم اكثر بكثير من مكاسبهم، ثم يضعوا ايديهم بأيدي اخوانهم.
والصلح خير والصلح خاتمة الخسائر والأحزان والصلح خسارة بيد أعداء أمة الإسلام ومكسب للمسلمين.
ولكي يغيروا ما بأنفسهم عليهم ان يعتمدوا على عقولهم أولا ويقرأوا العلم الشرعي النقي والبعيد كل البعد عن الغلو ثم يقوموا بمزج هذا العلم مع التقارير السياسية والأمنية للمنطقة ليدركوا حجم الفخ الذي نصبه لهم أعداء أمة الإسلام.
وهنا ستكون بداية التغيير نحو الأفضل.
٭ وأخيرا: أقول لكل المسلمين «مبارك عليكم الشهر وكل عام وأنتم بخير وعساكم من عواده».