اليوم نجد أن الفكر المتطرف استطاع أن يخترق عقول وقلوب شباب كويتيين في عمر الزهور واستطاع في السعودية أن يجبر الابن على قتل خاله العقيد بالداخلية واستطاع أن يجند المرأة لقتل زوجها، واستطاع أن يسحب الشاب القباع من بيته بالسعودية ليفجر نفسه في مسجد الصادق في الكويت، والحرب الفكرية ما هي إلا حرب قناعات شخصية فقد يختلف الأخ مع أخيه في مسألة التأييد أو المعارضة لهذا الفكر أو ذاك. وتنظيم داعش لم يأت الى دول الخليج بأسلحته ومعداته بل جاء بفكره واستطاع أن يقنع بعض شباب الخليج بتنفيذ مخططاته الدموية.
والفكر يعتبر سلاحا فتاكا عبر العصور اذ يمكن للزعيم أن يسلب إرادة أتباعه فيسخرهم لما يريد، فعلى سبيل المثال استطاع ديفيد كورش الأميركي المسيحي أن يقنع أتباعه بعدم الاستسلام لعناصر الـ fbi المحاصرة للمبنى الذي تحصن به هو وأتباعه في واكو ـ تكساس، ثم قام بإحراق المبنى فقتل وقتل معه أتباعه ويقدر عددهم بـ 86 شخصا.
أما زعيم طائفة الحشاشين حسن الصبّاح (بتشديد الباء) فهو أول من اكتشف تأثير نبات الحشيش على عقل الانسان، واستخدمه في صيد أتباعه لكي يدخلهم جنته الوهمية في قلعة النسر بإيران بعد أن بنى بها قنوات يجري بها اللبن والخمر والعسل وتسكنها الكثير من الجواري الجميلات وهن يلعبن دور الحوريات في هذه الجنة المزعومة وقبل أن يدخل القاتل المستقبلي جنته يقوم الاتباع بإعطائه سيجارة حشيش فيفقد عقله ثم يدخلونه الجنة وعندما يستفيق يجد نفسه محاطا بالحوريات الوهميات فيقضي معهن ثلاث ليال حمراء ثم تقدم له سيجارة الحشيش مرة أخرى بداخل هذه الجنة وعندما يفقد عقله يخرجونه ثم يقولون له: أتريد العودة إلى الجنة؟ فيقول: نعم، فيقولون له: لن تعود لها الا بعد أن تقتل الشخص الفلاني وبعد أن تقتله دعهم يقتلوك لكي تعود لهذه الجنة، فنجحت الفكرة معهم، وعليه فقد سببت هذه المنظمة هاجسا أمنيا مخيفا في ذلك العصر لدى القضاة وقادة الجيوش والولاة كما ان اتباعها حاولوا قتل القائد صلاح الدين مرتين لكنهم فشلوا في ذلك.
كما استطاع زعماء القرامطة ان يقنعوا الناس بفكرهم فهجموا على الحجاج في مكة وقتلوا الكثير منهم وسرقوا الحجر الأسود ثم أعادوا أجزاء منه بعد أكثر من عشرين عاما من سرقته، بعد المفاوضات معهم.
أما الزعيم النازي ادولف هتلر فاستطاع أن يقنع الجيش الألماني بان جنس الألمان، أو الجنس الآري، من أرقى الاجناس في العنصر البشري فقاتل الألمان قتال الأبطال واحتلوا اغلب الدول الاوروبية يساندهم في ذلك كذب غوبلز وزير الإعلام الألماني وصاحب نظرية «اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون».
وهنا لنتوقف قليلا عند الاعلام الحكومي بالكويت ودول الخليج أيضا ونقارنه بإعلام داعش الذي استطاع أن يحقق نتائج ملموسة على الارض من خلال تصدير فكره إلى دول الخليج عن طريق الاعلام بشتى وسائله، ولكي ننتصر على هذا الفكر المتطرف علينا ألا نكلف أنفسنا شراء الأسلحة والمتفجرات وقنابل الطائرات اذ إن الحرب التي تربطنا بداعش ليست حربا ميدانية بقدر ما هي حرب فكرية لسنا للاسف مستعدين لها حتى الآن بحسب ما أرى، فعلى مر العصور نجد أن النصر مرتبط باستخدام السلاح نفسه الذي يستخدمه الخصم، وعليه فان استخدامنا لسلاح الفكر المضاد ضد خصمنا سيحقق لنا النصر المؤكد، وحربنا الفكرية ضد داعش هي خط الدفاع الأول لحماية شبابنا المخدوعين بهم والذين يحرقون من قبل داعش بالأحزمة الناسفة وعلى أرضنا وهذا شيء مؤسف للغاية بالنسبة إلينا، ويمكن لوزارة الداخلية أن تتولى القيادة لخوض هذه الحرب الفكرية التي من شأنها أن تحمي ابناء هذا الوطن وتقلب الموازين الفكرية لدى الشباب المغرر بهم عبر اعلام داعش أخيرا.
قديما كان البدو عندما يريدون اشعال النار يبدأون بوضع فتات الحطب في الأسفل وعندما يشتعل يبدأ بإشعال الحطب الكبير الموجود في أعلى كومة الحطب.
والشباب من المعلوم أنه من السهل استعطافهم وخداعهم وبالتالي قيادتهم واستغلال حماسهم وتطويعهم لكي يشعلوا نار الفوضى في المجتمع المستهدف من قبل الفكر المتطرف ايا كان مصدره. وهذه نقطة مهمة تحتاج الى التأمل.
فبالأمس اقتنع بعض الشباب بفكر داعش وقدموا خدمات دموية ارهابية لهم، واليوم هناك الكثير من الشباب المتخفين المتعاطفين لم يجدوا من يقنعهم بانهم الى الآن مخدوعون بداعش، وهذه مسؤولية الدولة التي لابد لها أن تسابق الزمن في تعديل المسار الفكري للشباب قبل أن يتحولوا الى ضحايا جدد لهذا الفكر المتطرف الجديد.