مفرح النومس العنزي
في منتصف التسعينيات، اختارت المخابرات الباكستانية طلاب المدارس الدينية في باكستان كقوة مضادة لحكومة كابل الشيوعية في ذلك الوقت، وقد كان اختيارا موفقا بكل المقاييس، حيث استطاع هؤلاء الطلاب ان يقضوا على الحكومة الشيوعية الموالية للاتحاد السوفييتي من دون خسائر تذكر، ولعل ذلك يعود الى دمج العقيدة الاسلامية بكره الحكومة الملحدة، فشكل ذلك طاقة قتالية هائلة في قلوب مقاتلي «حركة طالبان»، وهو الاسم الجديد لطلاب المدارس الدينية الباكستانية سابقا، اضف الى ذلك الدعم اللوجستي الباكستاني للحركة، وبعد هذا النجاح الباهر قامت حركة طالبان بتطبيق الشريعة الاسلامية، وهذا الامر لا يروق للغرب ولا يروق لحكومة برويز مشرف آنذاك.
وبعد احداث 11 سبتمبر، دخلت الحركة صراعا مسلحا مع الغرب ولايزال الصراع مستمرا الى الآن، وبعد احداث المسجد الاحمر دخلت باكستان بالصدفة في هذا الصراع القائم على عقيدة دينية وهو من اخطر انواع الصراعات التي تواجهها القوات المسلحة والحكومات، وكانت باكستان ولاتزال وستبقى كذلك تعاني من اعمال العنف من مارد طالبان الذي صنعته، ولعل هذا المارد يشبه الى حد ما مارد القاعدة الذي صنعته المخابرات الاميركية في الثمانينيات لمواجهة القوات الروسية الملحدة، ثم اهملته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ثم انقلب عليها، واصبح هاجسا امنيا مخيفا على الولايات المتحدة الاميركية وعلى حلفائها وعلى مصالحها في العالم اجمع، وهاتان الحالتان قد تكونان تقليدا فاشلا لحالة مقاتلي «الڤيتوكنغ» الڤيتناميين المدعومين من الاتحاد السوفييتي السابق ضد القوات الاميركية اثناء الحرب الاميركية ـ الڤيتنامية.
فالمعارك التي تدور بين القوات الاميركية وحركة طالبان في هلمند وخوست وهيرات وغيرها والمعارك الدائرة بين القوات الباكستانية وحركة طالبان والقبائل في وزيرستان ما هي الا حوار عقيم بين الفكر والقوة المفرطة، وهذا يعني استمرار المشكلة الى الابد، اما الحل المناسب والسهل والاقل تكلفة فهو مواجهة الفكر المتشدد بفكر معتدل يستمد اعتداله من الشريعة الاسلامية من خلال الكتاب والسنة النبوية، بالاضافة الى تصحيح المفاهيم الخاطئة التي يعتقد بها الكثير من مقاتلي الحركة، فدماء المسلمين والاضرار الناجمة عن هذه الحرب ليست في مصلحة المجاهدين، كما ان التسويات والتنازلات بين طرفي القتال هي الطريق الصحيح نحو الحل لمشكلة العنف الناجم عن مارد طالبان والقاعدة والقوات الاميركية والباكستانية.