لم تكن حادثة إحراق السفارة السعودية في إيران نهاية المطاف في سياسة الطائفية الإيرانية في البلاد العربية، ولم تكن الفتنة الطائفية في المنطقة موجودة إلا بعد قيام الثورة الإيرانية، فالطائفية الإيرانية أصبحت اليوم معول هدم لاستقرار الدول العربية، فقبل أن يصدر القضاء السعودي حكمه بإعدام 46 مواطنا سعوديا سنيا بالإضافة إلى مواطن سعودي آخر من الشيعة بسنوات طويلة قامت إيران بإعدام عشرات الآلاف من السنة وعلماء السنة العرب في العراق وسورية والأحواز طبعا من دون محاكمة، وعلى ضوء ذلك لم تقم السعودية أو أي دولة خليجية بإحراق السفارة الإيرانية على أرضها من خلال مظاهرات جمهورية مزيفة.
وهذا المشهد السياسي يشير إلى أن إيران ترى أن الطائفية هي أفضل وأرخص سلاح يمكنها استخدامه للقضاء على الدول العربية، والمشهد الطائفي واضح الآن في كل من سورية واليمن، وهو يصب في مصلحة أطماع إيران التوسعية في المنطقة العربية، ومع الأسف دفع كل من الشعب السوري والشعب اليمني ثمنا باهظا بسبب هذا التدخل الإيراني.
وعلى الرغم من أن الطائفية نهى عنها الإسلام، بل ووصفها بالمقيتة، وهي نوع من أنواع الفتنة، (والفتنة أشد من القتل)، كما قال الله تبارك وتعالى، وهي غير موجودة بالمنطقة العربية، فالقبائل العربية في سورية والعراق نصفها سني والنصف الآخر شيعي والسنة والشيعة العرب جيران ومتعايشون بسلام ويرتبطون بمشاعر الشهامة والمروءة والنخوة العربية، فيما بينهم، كذلك يرتبط بعضهم ببعض بصلات نسب، وعليه فمن غير المعقول أن تقبل في البلاد العربية إلا أن ما قدمته إيران من دعم واضح لتعزيز الطائفية أدى بدوره الى جر بعض دول المنطقة إلى حالة الفوضى الأمنية تحت مظلة الطائفية.
والطائفية في الفكر الإيراني المعاصر ما هي إلا وسيلة تنتهي بالغاية التي تريدها إيران وهي الهيمنة على الدول العربية، وإحياء دولة فارس، وإعلان عاصمتها في بغداد، ومن هذا المنطلق لا يمكننا إلقاء اللوم بالكامل على شيعة إيران، بل علينا ألا نقلل من أهمية دور من يقف معهم، أو خلفهم من الفرس، والمشكلة في الأمر تتلخص في أن إيران لا تحب أن تلعب هذه اللعبة الخبيثة في ارضها، بل تفضلها في أراضي العرب، وأقول العرب على اعتبارهم أنهم أعداء الفرس الأبديون في الفكر الفارسي، هذا بالإضافة إلى أن هناك الكثير من الأقليات والقوميات في إيران تعاني من اضطهاد عرقي وديني لا مثيل له في العالم.
ومن الأنشطة الطائفية الإيرانية بالسعودية حادثة التدافع التي تسبب فيها حجاج إيرانيون خلال موسم الحج الماضي، وأدى إلى سقوط ما لا يقل عن 800 قتيل من حجاج بيت الله الحرام، والدعم اللوجستسي للحوثيين في اليمن من أجل قيام ثورتهم للاستيلاء على الحكم في اليمن، والقتل والقهر والتعذيب لأهل السنة والجماعة في كل من الأحواز والعراق وسورية، وأخيرا حرق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد.
وفي المقابل لم تقم السعودية بتهريب السلاح إلى إيران لزعزعة الاستقرار الأمني بها، ولم تحاسب إيران باستضافتها لقيادات القاعدة المعادية للسعودية، ولم تقم السعودية بدعم منظمة مجاهدي خلق، كما كان يدعمها صدام من قبل، ولم تقم بدعم السنة في العراق، أو حتى العرب السنة في الأحواز، وحتى بعد قطع العلاقات الإيرانية ـ السعودية بعد إحراق السفارة السعودية في طهران، لم تتعرض السفارة الإيرانية في الرياض لأي أذى، ولم يمنع الحجاج الإيرانيون من دخول السعودية للحج أو العمرة، على الرغم من كثرة حوادثهم الأمنية في الأراضي المقدسة، بل كانوا محل ترحيب من قبل القيادة السياسية السعودية.
وهذا مؤشر قوي على أن القيادة السعودية الحكيمة ترى أن الشيعة والسنة مسلمون، فلم تفرق بينهم في المعاملة، كما فعلت إيران، بل تركت لإيران الوكالة الحصرية للطائفية في المنطقة، وهنا أجزم بأن الله سبحانه وتعالى سيقتص من موقظ الفتنة، التي سببت لضحاياها من العرب الموت والجوع والرعب والتشتت، وسيكون جزاؤه من الله، سبحانه وتعالى، من جنس عمله، بعد أن ينقلب سحر الساحر عليه في يوم ما في المستقبل، والله أعلم.