فيما مضى من السنين الطويلة تعود أبناء الخليج على سماع التعاون الخليجي واليوم تغير المعنى إلى الخلاف الخليجي، والخلاف أمر محتمل ووارد بين الأفراد وحتى الدول تختلف وتتفق، ولعل الساحة السياسية والعسكرية والأمنية الملتهبة إقليميا قد فرضت وبالقوة هذا الاختلاف بين الأشقاء ويساندها في ذلك الدور المؤثر لدول الخليج العربي في الملفات الإقليمية الساخنة، فدول الخليج كما يكون لها تأثير في المحيط الإقليمي والدولي من الطبيعي أن تتأثر فيما بينها، ويجب علينا أن نتفهم أن ما حدث من خلاف لابد أن تكون له جذور لا نعلمها بالتفصيل وليس من المهم أن نعلمها فهذا الأمر بيد القادة الذين غالبا ما تكون عندهم رؤية واضحة لمجريات الأمور سواء الإيجابية منها أو السلبية.
وقد لفت انتباهي تأثر المجتمع الخليجي بهذا الخلاف فمنهم من امتنع عن التعليق على الموضوع لتجنب الفتنة بين الأشقاء، ومنهم من تأثر بعاطفته فأصبح يرى المشهد من خلال الخلاف وحده ولم يدقق بطبيعة الأسباب التي صنعت هذا الخلاف، ومنهم من يتلقى المعلومات من خلال ترديد الإشاعات كالببغاء، والإشاعات غالبا تصدر من العدو المستمتع بالصيد في المياه العكرة لأنه يرى أن هذا الخلاف يصب في صالحه. كما أن هناك عدوا آخر يريد أن يكمل مشروعه في تقسيم الوطن العربي وإشاعة مبدأ الفوضى الخلاقة بدول الخليج بعد أن خلقها في دول عربية أخرى ولا تزال للأسف تسبح في مستنقع هذه الفوضى، والهدف هو جني ثمار هذه الفوضى من خلال سيطرته على الثروات الطبيعية للمنطقة، ولا يهمه مصير شعوب المنطقة. وهناك أيضا صنف متذبذب أو ما يعرف بالإمعة تجده في الصباح مع طرف وفي المساء مع طرف آخر. وليس بالغريب أن هناك من المسلمين لايزال في غفلة عن تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا النوع من الأحداث، إذ قال الله سبحانه وتعالى: (إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (سورة الحجرات ـ آية 10). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت». وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
والمهم في الأمر كله هو أن نضع أمامنا كدول خليجية حكاما أو محكومين أن مصيرنا واحد، لذلك يجب علينا أن نكون صفا واحدا وعلى قلب رجل واحد، فالمتربصون بنا كثر ولا تقينا منهم إلا وحدتنا، ومهما كان حجم الخلاف يجب أن تكون مصلحتنا أكبر منه ونفتح باب التسامح وندعم وحدتنا بكل الوسائل والاتفاقيات التي تحول دون تكرار هذا الخلاف مرة أخرى. وهذا الأمر قد يكون صعبا على البعض إلا أنه ليس مستحيلا والدليل على ذلك أنه بالرغم من الضحايا والخسائر التي تكبدتها دول أوروبا في العصور الوسطى من خلال الحروب الطويلة التي دارت فيما بينهم ناهيك عن الحربين العالميتين الأولى والثانية التي قتل فيهما ما لا يقل عن 50 مليونا أوروبيا إلا أنهم تجاوزوها وبلعوا مرارة قسوتها ومن ثم تم الاتحاد فيما بينهم علما بأن لديهم اختلاف في اللغة والدين والأعراق وقوة الاقتصاديات فيما بينهم، أما نحن في دول الخليج والحمد لله لا توجد حروب فيما بيننا ولغتنا واحدة وديننا واحد وعاداتنا وتقاليدنا واحدة وقبائلنا وأنسابنا موزعة على دولنا وأيضا اقتصادياتنا تكاد تكون متقاربة من حيث القوة، ومن خلال هذه العوامل المشتركة فيما بيننا يجب علينا توحيد المسار الأمني والعسكري والاقتصادي والسياسي للمنطقة وذلك لدعم قوة دول الخليج أمام المجتمع الدولي وخصوصا أمام إيران التي صنفها السياسيون بأنها أم الإرهاب الدولي والتي باتت تشكل خطرا واضح المعالم على دول الخليج العربية، وهذا الخلاف الحالي يعتبر الأول من نوعه في تاريخ المنطقة وسيكون الأخير، بمشيئة الله. ولابد لنا كشعوب أن نسعى إلى السير باتجاه حل هذا الخلاف من خلال الطرح الايجابي في وسائل الإعلام ونبتعد كل البعد عما يفرقنا من حديث أو أفعال لأنها ستكون بمنزلة سكب البنزين على النار، كما يجب علينا أن نعي الخطر الإيراني المحدق بنا ولا ندع له فرصة للتهكم علينا، وعلينا أن نواجهه بالمقولة المشهورة عند أبناء الخليج وهي «أنا واخوي على ولد عمي وأنا وولد عمي على الغريب».
كما يجب على كل مواطن خليجي أن يدعو الله سبحانه وتعالى ان يصلح بين قادتنا ويجمعهم على الألفة والمحبة ويبعد الشر عنهم وعن دولهم، ولا يسعني إلا أن أوجه النصيحة إلى أبناء وطني خاصة وإخواني الخليجيين عامة بأن يقتدوا بموقف صاحب السمو أمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، لأنه لم يهن عليه خلاف إخوته قادة دول الخليج فذهب إلى كل واحد منهم من أجل حل هذا الخلاف، فلله درك يا أميرنا الغالي لتحملك تعب السفر والصوم والمشقة من أجل إخوتك، وأنا متفائل جدا بتقدير قادة دول الخليج لمساعيك الخيرة بالرغم من الصعوبات التي تواجهك من أجل الصلح، ذلك الصلح الذي حتما سيكون له الأثر الإيجابي على دول المنطقة، بل وسيعزز من شأنها الأمني والسياسي والعسكري والاقتصادي.