إن طاقة الجنس البشري الفكرية والعلمية هي الوقود الفعلي للإبداع عند بني آدم، فالحضارة اليونانية والرومانية والإسلامية وحضارة هذا العصر نجدها لا تتقيد بالجغرافيا أو الدين بل انها طاقة مهاجرة تبحث عن دفء الاهتمام والرعاية والبذل والعطاء من قبل ولاة الأمر ومن خلال لمحة تاريخية بسيطة يتجسد لنا مفهوم واحد وهو ان الحضارة ما هي الا نبتة تبدأ صغيرة في صحراء قاحلة فيلتفت لها أحد أبناء آدم ثم يهتم بها ويسجل ملاحظاته في كل مرحلة تمر بها هذه النبتة ثم يبحث عن أسباب المشاكل التي تؤدي الى ذبولها فيقاومها، ثم يهتم بكل ما يفيد هذه النبتة حتى تثمر، ثم يجني حصادها ليبدأ بزراعة بذورها مرة أخرى وتتوالى السنون حتى تصبح هذه الصحراء أرضا خضراء وجميلة.
هذا مثال، اما الواقع الملموس فهو ما نجده في التاريخ العربي في حقبتي الجاهلية والإسلام الذي حث وبصورة ملحة على التمسك بالعلم والاهتمام به، فأولى الخلفاء في الدول الإسلامية والولاة اهتماما واضحا بالعلم وبذلوا الأموال الطائلة للعلماء، الأمر الذي أدى بدوره الى اتساع رقعة الامبراطورية الاسلامية من الصين شرقا حتى اسبانيا غربا وقد وصفها المؤرخون بأنها أكبر امبراطورية في التاريخ.
ومن الأمثلة الحديثة ان التخلف يؤدي الى الانقراض والتخلف ناجم عن الجهل واهمال العلم فحضارة الهنود الحمر البدائية والمعتمدة على الصيد وخاصة جاموس البفلو الشهير لم يستطيعوا من خلالها الدفاع عن أنفسهم امام المهاجرين الجدد القادمين من أوروبا فتمت ابادتهم بالبنادق الحديثة والمدافع ايضا بعد ان ضلوا مئات السنين دون ان يقدموا لأنفسهم شيئا من العلم والمعرفة وخلال بضع مئات من السنين استطاع المهاجرون الأوروبيون بناء أحدث حضارة بل واستطاعوا ان يصبحوا اليوم القوة الأولى في العالم وقد احتفل أبناء الولايات المتحدة الأميركية (المهاجرون سابقا) بتأليف الكتاب رقم مليار كما انهم يملكون أكبر مكتبة في العالم، وهي مكتبة الكونغرس التي تحتوي على أكثر من 20 مليون كتاب في مختلف العلوم.
وأخيرا قد يصنع الدين العلم لكن العلم لن يصنع الدين لأن الدين لله فقط والعلم لمن أراده.