مخلد الشمري
عندما كانت أعداد المتعلمين في مجتمع الكويت بسيطة، وعندما كانت أعداد خريجي الجامعات قليلة جدا «كانت» وزارات وإدارات وشركات ومؤسسات الدولة تسير «صح» أو على الأقل «شبه صح» مع أن العمل يومها كان في اغلبه الساحق يدويا وكثيرا وشاقا، لأن من تعلموا وتخرجوا من الجامعات بل وحتى مدارس الثانوية، تعلموا «صح» وتخرجوا من جامعات «صح» ـ أو على الأقل لم يتهاونوا في العملية التعليمية.
أما الآن، وبعد أن دخلت التكنولوجيا وأصبح العمل في كل وزارات ومؤسسات وشركات الدولة سهلا، ولا يحتاج إلى عباقرة وعلماء ليديروه، بل يحتاج ـ فقط ـ من الخريجين أن يطبقوا ما تعلموه، أصبحت الفوضى سمة الأغلبية الساحقة جدا من إدارات ووزارات وشركات ومؤسسات الحكومة، وأصبح ـ الصح ـ فيها هو الندرة والاستثناء، بل واستثناء غريب، لا يريد معه مدمرو كل ما هو صح وجميل بالبلد، أن يرتاحوا إلا بعد أن يكملوا تدميرهم لكل شيء.
لا تتساءلوا لماذا وصلنا إلى هذا الوضع الفوضوي والمزري ـ تقريبا ـ لان الأغلبية الساحقة أن لم نكن جميعنا ساهمنا وشاركنا في الوصول إلى هذا الوضع، ولاتكابروا، ولا تدفنوا رؤوسكم بالرمال أو تدعوا عدم الاهتمام، فقط على كل شخص أن يجلس بينه وبين نفسه، وليعترف لنفسه على الأقل بالأخطاء التي اقترفها في حق مجتمعه ووطنه وساهمت في وصولنا إلى هذا الوضع شبه المزري والمحزن، وشبه البائس.
في تفسيري ـ غير المتواضع ـ والصريح لأبعد الحدود «أن أكثر شيء» ساهم في وصولنا لهذا الوضع المؤلم، هو فوضى الاعتراف بالشهادات الجامعية وغير الجامعية، الذي خلق صراعات يومية لا تنتهي، في كل وزارات ومؤسسات وشركات الدولة تقريبا، خاصة بعد أن امتلأت بخريجي الجامعات بعشرات الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف، اغلبهم الساحق جدا جدا جدا جدا من هؤلاء الذين ادعوا التخرج والتعلم الوهمي في جامعات «غلط ×غلط» على شاكلة جامعات ـ محاكم التفتيش ـ وجامعات مناسف اللحم والعيش، وجامعات الفول وكليات الطعمية الخاصة،وتخيلوا ما الذي سيحدث عندما يجتمع خريجو تلك الجامعات التعيسة في إدارة حكومية واحدة أو في قسم أو مكتب واحد.