مخلد الشمري
أشمئز كثيرا كلما تقع عيني على برنامج في قناة تلفزيونية ما او على موضوع في صفحات جريدة او مجلة ما «يروّج» للشعوذة والسحر والدجل او لتفسير الاحلام او للمداواة والعلاج بالاعشاب والعسل إلى آخره من تلك الخرافات والخزعبلات، وأزداد يقينا ان ازدياد نشر مواضيع عن تلك الخزعبلات ونشر لقاءات اعلامية - وللاسف - مع هؤلاء المشعوذين والدجالين والنصابين والمشبوهين الذين يمارسون العمل الكريه والمشبوه بتلك الاشياء يؤكد زيادة الجهل ويرسخ التخلف في المجتمعات العربية بحيث اصبح كثير من افرادها يسير بشكل اعمى وراء هؤلاء المشعوذين والنصابين في ظل تساهل مخيف ولا مبالاة مخيفة من السلطات !
ثم ما الذي يجعل كثيرا من بشر هذه المنطقة - أميين وجهلة او متعلمين ومثقفين، فقراء او اغنياء - يلجأون لمثل هؤلاء المشعوذين، هل هو فقدان ثقة غير منطقي وغير مفهوم بالطب الحديث والعلم الحديث ام هو رضوخ بكل ارادة وحب للخرافات وللاوهام والخزعبلات التي ورثت لهم مع ما يسمى بالعادات والتقاليد؟ خاصة ان الاجيال الحالية تعيش في اجواء معيشية مدنية ومتحضرة على كل الاوجه، تجعل من الصعب تصديق مثل هؤلاء المشعوذين، الممارسين دون خوف لتلك الخزعبلات، وعلى الجميع ان يفهم ان لجوء الأجداد لمثل هؤلاء كان سببه الوحيد هو «بدائية الحياة» وكونهم الشيء الوحيد والمتاح الذي يلجأون اليه مرغمين للعلاج وقتها!
ان محاربة وملاحقة مثل هؤلاء الدجالين المتاجرين بأمراض وبمشاكل البشر وسذاجة كثير من الناس يجب الا تقل حزما وأهمية عن محاربة ومطارة وملاحقة تجار وبارونات المخدرات والسموم، بل حتى عقابهم يجب الا يقل عن عقاب وقصاص القتلة وتجار المخدرات، فترويج الخرافات والخزعبلات واستغلال جيوب الناس السذج «للاثراء» منها هو بالضبط كبيع وكتهريب وكترويج المخدرات، فالثانية تقتل الناس بالادمان والاولى تقضي على عائلات بأكملها بالافلاس المادي والمعنوي والصحي، خاصة ان رأس مال المشعوذين والنصابين لممارسة نصبهم وكذبهم ليس اكثر من تأجير شقة او سرداب في عمارة او ملحق في منزل واعلان بسيط في مجلة اعلانية، ولا مانع نهائيا لدى اصحاب تلك المجلة، في نشره، مادام سيجلب لهم المال حتى وان كان ذلك على حساب تفشي الجهل بين افراد مجتمعهم والنصب على افراد مجتمعهم.