مخلد الشمري
منذ شـهرين تقريـبا، وفي كل المرات التي ذهـبت فـيـهـا لمصبغـة الملابس التي أتعامل مـعهـا منذ 20 عامـا، فاجـأني صـديقـي العـامل المحــتـرم الهندي بهـا بأسـئلة لم اعتـد منه طرحــهـا علي وتتــعلق بصـحة قرب مـوعد الضـربة العسكريـة الأميركـية لإيران وهل هي في الشهر الجاري؟ وفي كل مـرة أجيـبـه بأني لاأعـلم، لأن تـلك الأمــــــور والأشــيــاء الحــســاســة «لايسـتطيع» حتى عـراف أن يتنبــأ بهـا حــتى وان ادعى كثيـرون هذه الأيام استطاعة القدرة على التنبـؤ بالأحداث، سواء عن طريق تـفسيـر كلام محللي «السيـاسة» أو محللي الأمـور العـسكرية، ومـعـهم هؤلاء البشـر من الناس الذين أصبـحوا أكثـر وأثقل من الهم على القلب والنفس بادعـائهم مـعـرفـة أي شيء وكل شيء، وهم لا يعرفـون حتى قـياس أحذيتهم حــسب المقــاس الأوروبي.
قـد يعــتـقـد الـبـعض إن صديقي عـامل المصبـغة لديه حب أو اهتمـام بالسيـاسة أو يحـاول أن يصـبـح خـبـيـرا استـراتيجـيا وعـسكريا كـما يفعل كـثير وكثيـر من العرب هذه السنوات، وبـالذات بعـد الانتــشـار المـدوي والرهيب للفضـائيات، بحيث سيـصبح لنا حق بعــد سنوات قـريبـة وقليـلة في أن نردد مــقــولة فضائيـة لكل مواطن على نمط وظيفـة وقسيمـة لكل مواطن، ولكني أبشركم بأن صـديقي العــزيز العــامل الهـندي كل غـايتـه من سـؤاله المتكرر لي في الشـهـرين الأخـيـرين عن موعـد أو عن صحـة المواعـيد التـي تذكـــرها وتحـــددها بســهـولـة بعض الصــحف المحلية، وبالذات تلك الصحف التي تطبع باللغـة الإنجليزية أو بلغــة الأوردو، كــانت كل غـايتـه أن يسـافـر بإجـازته لوطنه الهند ببـلاش أي free بالإنجليزية حــيث أن الهند حـالهـا كــحـال دول أوروبا والدولة الراقيـة والمتحـضرة التي تـبـادر فــورا بإخــلاء رعاياها ومواطنيـها «مجانا» في وقـت الأزمــــات واندلاع الحروب الفـجائيـة، وبأسرع جـهـد ووقت ولـو كنت مكان صديقي العامل العزيز الطيب الهندي لسـألت نفس أسئلتـه ولخططت أيضا كما يخطط.
حيـيت صديقي ثـم غادرت المصـبـغـة بـعـد اسـتـلامي ملابسي وبعد أن دفـعت قيمة فاتورتي، وعـلامات التـعجب علت تقاسـيم وجهي وان كنت لا ألوم صــديقـي «العــامل» الهـندي بشـيء وعلـى شيء، فلقد بنى حلمه بالسـفر مجانا على معطيات وأخبار تنشرها بعض الصــحف ويكتـبــهـا بعض الكتـاب و«كـأن» قـرار شن الحرب يأتيهم أو يعلمون به قبل مـسؤولي الدولة التي يتوقع بأنها ستقوم بالضربة العـسكرية، أو التي سـتـشن الحــرب، والسـؤال المـهم هنا والســخـيف أيضا، هو هل أصبحت أسرار الدول العظمى، وقراراتهـا المصيرية بالحـرب أو بغـيـر ذلك في يد مـؤلفي القـصص والحكايات والأخبار في الصـحف المحلية أو حتى الصحف العـربية وما يشابـهها «أم أن المسـألة» هي تطوير لمقـولة «قـال مـصـدر مـوثوق به، أو صـرح مصـدر رســـمي رفـض الكشـف عن اسمه» التي لا تـعج بها سوى صـحف العرب، تلك الصـحف التي لا يؤثر أغلبـها السـاحق هذه السنوات والأيام حتى في هؤلاء «الدايخين» مـن مـدمني الجلوس في مقـاهي الشيـشة أو في مــقــاهي star bucks صباحا ومـساء، أم أن المسألة كلهــا هي ألف. . ألـف، ثم ألف وألف وألف حتى يبني الناس البـسطاء والسـذج أحلامـهم على هذا التأليف.