يبدو أن تعسر ولادة الحكومة كل هذه المدة الطويلة يعود لسبب قريب من التوقع والذي ساقه أحد الظرفاء حينما أفصح لنا في مقولته «أن البحث عن وزير للانضمام للتشكيل الحكومي الأخير هو أشبه بالبحث عن إبرة فقدت في حوض مليء بالقش!» هذا من وجهة نظر صديقنا الظريف أما وجهة نظرنا فهي لا تخرج عن احتمالين لا ثالث لهما، الاحتمال الأول هو أن الحكومة أرادت بالتأخر هذا شيئا من التكتيك الاستراتيجي لاستغلال الوقت واستثماره بصورة إيجابية بالنسبة لها، وبغض النظر عن سلبيته بالنسبة لغيرها، وتبرز أهمية الاستثمار للوقت هنا هو أن الحكومة ترغب في مد أجل التشكيل إلى أوائل مايو المقبل ثم يعلن التشكيل الوزاري الجديد ومن ثم يؤدي الوزراء القسم بعد التشكيل بأسبوع ومن ثم يفتح الفصل التشريع بعدها بأسبوعين وحينها نكون على أبواب العطلة الصيفية ثم يعطل المجلس ولا ينعقد إلا في شهر أكتوبر القادم!
وهنا تكون الحكومة راهنت ولعبت على الوقت وهو مهم جدا بالنسبة لها في إعادة تنظيم أوراقها، أما الاحتمال الثاني وهو الاحتمال الذي تناولته بعض الدواوين ويتناقله الناس في أماكن تواجدهم وفي اجتماعاتهم العابرة فهو أن الحكومة عجزت وأضناها العجز عن الوصول إلى التشكيل الوزاري لرفض الأسماء المرشحة للتوزير واعتذارهم خوفا من المنصة ومن الانتحار السياسي، لهذا مازالت الحكومة «تحوس» في حدود «ميانتها» وضماناتها لنوايا الآخرين! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما تم فقدانه من انتصارات للحكومة في المراحل السابقة والتي لم تحسن فيها التعامل مع الأطراف الأخرى والجهات الأخرى، مما أوقعها في مأزق سيل الاعتذارات المقدم من قبل الأسماء المرشحة لحمل حقائب وزارية، نحن نعلم أن المرحلة دقيقة وهذا ما يجب أن تعيه كل التكتلات النيابية باختلاف مشاربهم وأن تهدئ من خطوات التصعيد التي تنتهجها، ولا يخفى على الجميع أن الأمور متشابكة وأن الرؤية مشوشة والأخطار الخارجية محدقة ورغم ذلك نصر نحن كمجتمع ومن خلال المؤسسة التشريعية والسلطة التنفيذية بالخروج أمام الملأ، وأمام الإعلام الداخلي والخارجي بمظهر لا يتناسب مع معطيات المرحلة وظروفها، فالحفاظ على البلاد وما يمكن أن يعترض استقرارنا الآن هو أهم بكثير من كل هذه المسوغات والتبريرات التي يرفعها البعض ليدخلنا في اتونات صراع لها أول وليس لها آخر، وبعيدة كل البعد عن حدود التفاهم والتوصل إلى صيغة تفاهم مشتركة.
[email protected]