بالأمس القريب فقط، انكشف الواقع الذي ظللنا مخدوعين بإنجازاتنا في مساحاته، حيث اتضح أنه ليس إلا تعويلا على السراب الذي أخذ يستوطن أنفسنا حينما تغلغل في ذواتنا من بوابة الأحلام القديمة، من هنا كان كل هذا العزوف عن قول الحقيقة، وهو بحد ذاته لا يختلف تماما عن المشاركة الفعالة في طمس تلك الحقيقة في عوالم نسيان غير متناهية، فرائحة الرماد لا تختلف عن كأس المرارة التي يتجرعها المحبطون واليائسون مما يرونه يصيب الوعي في مقتل.
فاليأس الذي يسلب الأشياء معناها هو ذاته السبب الذي يكتنف الفقدان وشيئا من الضياع الذي يملأ طرق البحث عن تحقيق الذات وإعادة بناء مشروع الأحلام العربية بأياد عربية بيضاء ناصعة.
فالتاريخ لدينا كعرب يحمل مفهوما مغايرا عما تحمله المجتمعات الأخرى فهو في منظورنا العربي يعني قصص الانتصار حينما يرويها المنتصرون في مقاعد «الاعتزاز الفخري» أو على مسامع المرتجفين والمطبلين لا أكثر.
بينما التاريخ لدى المجتمعات الأخرى يعني القصص الحقيقية كيفما جاءت وأينما جاءت ومتى ما جاءت، وليس من الضروري أن يوثق الجانب المضيء والمتمثل في الانتصارات والبطولات المزعومة أو الانجازات الكلامية وشيء من الهرطقات التي يهذي بها بعض الزعماء وأثناء حضور المنصتين والمستمعين قسريا بل انه قد يعني الهزيمة بكل ما تعني من وقع وأسباب ودواع وما تحمله من مرارة، وذلك إيمانا من تلك المجتمعات بأن النجاح يولد من رحم الفشل وأن الانتصار ينبثق من الشعور بالهزيمة، هكذا هي الرؤية المختلفة التي يحملها الرائعون في المجتمعات غير العربية.
ومن هنا كانت ممارسة التهور الذي يحدث ضد الشعوب العربية في سورية واليمن وليبيا والسودان وغيرها من الدول ذات الأنظمة القمعية والمتهورة في استخدام الآلة العسكرية ضد العزل والأطفال والنساء والمدنين، ليس إلا محاولة بائسة لإعادة رسم التاريخ بريشة المدعين بالنصر والحالمين بالفوز في استمرار سحق الأبرياء والعزل من المدنيين الذين ظلت أقصى مطالبهم تحسين الظروف المعيشية وتحقيق شيء من العدالة الاجتماعية ومنحهم أبسط حقوق المواطنة.
فالصمت الذي يخيم على الأوساط العربية، والأنظمة الأخرى وبقية الدول العربية فيما يحدث وتقوقع أداء الجامعة العربية إزاء ما يحدث من إرباكات في مصر وتونس وغيرها من الدول العربية يدعو إلى إعادة بناء منظمات عربية أخرى تكون مبنية على أسس متقاربة ورؤية أوضح وأشمل حتى تعالج ما تناثر من جزيئات مشتتة من التجمعات العربية السابقة، فتغيير سورية لشعار البعث السابق من أمـة عربية واحدة ذات رسالة خالدة إلى أمة عربية مرتمية بأحضان فارسية منذ سقوط العراق في يد إيران كان السبب الأهم والذي مايزال يكشف أن الأمور والترتيبات في غير محلها، لذا كان هذا الرفض من المواطن العربي العادي حينما جاءت أدنى مما يحمله من طموحات وأحلام عربية، فالعودة للحظيرة العربية وبشكل أعمق وأقرب هو غاية كل عربي شريف يبحث عن عز هذه الأمة، الفاقدة لوحدتها وتاريخها وأحلامها المشتركة وزعمائها الأفاضل لا السافكة للدماء والعابثة بمقدرات شعوبها ومستقبل مواطنيها المنتهكة حقوقهم.
[email protected]