عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيدا دونها بيد
هذا البيت الخالد لشاعر السيف والقلم أبي الطيب المتنبي عندما همّ بالرحيل عن مصر في يوم عرفة قبل أن يحل العيد وقد رأى من كافور ما يسوؤه فأعد إبله وخفف رحله وقد دهمه العيد وأحواله على النقيض منه والحسرة تمزق فؤاده وتحير لبه، وقد دهمنا العيد اليوم وأحوال الأمة الغثاء كعيد أبي الطيب لا تسر أبناءها ولا تكمد أعداءها وقد استحالت فصولهم خريفا دائما لا يعتزم رحيلا ولا تحولا.
لولا المآسي العربية والإسلامية الجارية لربما لا تجد القنوات الإخبارية العالمية والعربية ما تبثه لمشاهديها من أخبار، فالعالم العربي ما خلا دول الخليج العربي يعيش في فوضى عارمة جعلت من تلهفوا لما يسمى بالربيع العربي يتمنون أن لو عادوا لأيامهم الخوالي الساكنة والمطمئنة، وهاهي الأعياد تلو الأعياد تمر عليهم وهم يعاينون الدمار ويذيق بعضهم بأس بعض، وفي حين نتابع الإنجازات العلمية والطبية في العالم الأول التي توجها الأمن والرخاء إذا بالعالم الرابع «الدول العربية بعد ما يسمى بالربيع العربي» ينحدر إلى دركات غير مسبوقة من الفشل والاحتراب الداخلي والتيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
لا أزعم أن الدول العربية كانت تعيش رغدا قبل الثورات في بعضها، وهذه الثورات إنما اندلعت نتيجة الظلم والقهر وشظف العيش الذي عانت منه الشعوب، في حين تمتعت فئة قليلة بكافة الامتيازات المالية والوظيفية، لكن هل حصلت الشعوب الثائرة على ما كانت تأمل؟ بالطبع الإجابة تشاهد يوميا على شاشات التلفزة الإخبارية وهي بلا ريب لا تسر العاقل بيد أنها أيضا لا تقنع الجاهل الذي لايزال يرى في خريف العرب أملا يحدوه ليرى نفسه فجأة في المدينة الفاضلة التي لطالما تمناها وحلم بها، غير أنه يرى بأم عينيه اليوم ما يصح أن نسميه دول الفشل وعواصم الفوضى ومدن الخوف.
يكفي المرء ـ إن لم يتطلع إلى شهوة السلطة والحكم ـ أن يتعبد لله كيفما يؤمن دون وجل ويحوز قوته وقوت عياله ليومه وليلته ثم يخلد إلى فراشه آمنا مطمئنا، والأشياء الأخرى إنما هي رفاهية وترف إن حيزت فبها ونعمت وإلا فلا ضرورة لسفك الدماء وإزهاق الأرواح واتباع دعوة كل ناعق لمظنة الوصول إلى حال أفضل، وخير للمرء أن يقدم على الله تعالى يوم القيامة وهو بريء من دعوات حمقاء مشبوهة اختطفت حيوات الناس وقلبت أمنهم خوفا ورغدهم عوزا وإيمانهم ريبا.
دول الخليج العربي ـ ولله الحمد والفضل ـ تعيش في بحبوحة وتتقلب في النعيم، واستقرارها وأمنها محط حسد الكثيرين، ومن الغبن والله أن يذر الراشد عقله ويضعه بتصرف من يتطلع إلى ما جعله الله في أيدي غيره ـ تحت ذرائع الإصلاح وإقامة القسط ـ ويبيع ما حباه الله تعالى به ويبتاع دون أن يدري ذهاب ريحه وريح قومه وعيب الدهر كله دون أن يتعظ بما يجري حوله كل يوم.. حفظ الله الكويت وقيادتها وشعبها وأعاد عليهم الأعياد أزمنة مديدة وهم يرفلون بالأمن والعزة والكرامة واللحمة الواحدة.
mohd_alzuabi@