على ما يبدو أن فوز نتنياهو العريض في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة قد أصاب الرئيس الأميركي أوباما بخيبة أمل عريضة في إزاحة الأول عن رئاسة وزراء الدولة العبرية ومجيء آخر أكثر تجاوبا مع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، إلا أن رياح الانتخابات الإسرائيلية جاءت بما لا تتمنى أشرعة الإدارة الأميركية.
في الحقيقة يحار المتابع وهو يشاهد تعاطي الدولة الأعظم الضعيف والعاجز مع نتنياهو والذي نجح تماما في أحيان كثيرة في إذلال الإدارة الأميركية وضرب عرض الحائط بسياستها الشرق أوسطية دون وجل من تبعات هذا الاستخفاف على نفوذها والتعاطف معها في واشنطن، وخير شاهد على الجرأة التي بلغها نتنياهو في تحديه لأوباما أنه جاهر بصراحة في دعم المرشح الجمهوري ميت رومني المنافس لأوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية، بل وطار لواشنطن خصوصا لأجل ذلك، ولم تتوقف إساءات نتنياهو المتكررة لأوباما عند هذا الحد فحسب إذ قال أمام الصحافيين حتى قبل أن يخرج من البيت الأبيض بعيد لقائه بأوباما ـ والذي طالبه بوقف توسعة وبناء المستوطنات المخالفة لقرارات الأمم المتحدة - إنه يرفض صراحة وقف الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، في لطمة كبيرة لمطالبات الرئيس الأميركي، ولم يكتف نتنياهو في تحديه للإدارة الأميركية بهذا السقف بل تجاوزه إلى حد إعلانه، في يوم وصول نائب الرئيس الأميركي بايدن، بناء مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة، واكتفت الإدارة الأميركية العاجزة والمكتوفة الأيدي بمناشدة إسرائيل التراجع عن هذا الإعلان لأنه لا يشجع على إنجاح المفاوضات المتوقفة أصلا منذ أشهر عديدة.
نتنياهو وأثناء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة وفي إحدى حملاته الانتخابية أعلن في تحد فج أنه يرفض حل الدولتين والتنازل عن القدس الشرقية وهو الإعلان الذي ينسف عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة منذ عقود من قواعدها ووضعت حل الدولتين أساسا تقوم عليه المفاوضات لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وأيضا وفي أثناء حملته الانتخابية وقبل إعلان رفضه لحل الدولتين ألقى خطابا في الكونغرس الأميركي بدعوة برلمانية جمهورية على الرغم من رفض الإدارة الأميركية لهذا الخطاب خشية استخدامه كدعاية مجانية لإعادة انتخابه وهو الأمر الذي حدث بالفعل وربما أسهم في حصول حزبه الليكود على الأغلبية البرلمانية.
الإدارة الأميركية أعلنت بعد فوز نتنياهو في الانتخابات وإعلان رفضه حل الدولتين أنها ستراجع خياراتها السياسية وألمح مسؤول أميركي إلى مراجعة أيضا سياسة الحماية الأميركية لإسرائيل في الأمم المتحدة، وخير للعرب ألا يعولوا على هذه المراجعة والتي ستتلاشى سريعا مع ضغوطات اللوبي اليهودي القوي في الولايات المتحدة، فضلا عن أن التاريخ لا يؤهل لتصديق مراجعات السياسة الأميركية وأخذها على محمل الجد ولا سيما إذا ما تعلق الأمر بإسرائيل، ففي أواخر السنة الماضية ترددت أقاويل في أروقة متعاطفة مع إسرائيل من أن الولايات المتحدة لن تستخدم حق النقض في حمايتها من قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالشأن الفلسطيني لكن أيا من ذلك لم يحدث وبالتأكيد لن يحدث.
أوباما من جهته يمقت نتنياهو لأنه أظهره مرارا بهيئة العاجز ولم يستمع لمطالباته المتكررة، ويدرك تماما أن نتنياهو قد كذب من قبل ويكذب بشأن قبوله بحل الدولتين، لكنه في الوقت نفسه لا يملك كثيرا من الأوراق لإخضاعه وإرغامه على تنفيذ توجهات السياسة الأميركية في المنطقة، والاتحاد الصهيوني اليساري الذي تأمّل أوباما فوزه في الانتخابات الإسرائيلية قد خسرها، ولم يبق إلا أن يضطر للتعامل معه كل يوم كما اشتكى أوباما بنفسه ذلك للرئيس الفرنسي السابق ساركوزي.
على العرب وفي مقدمتهم السلطة الفلسطينية ألا يرفعوا سقف طموحاتهم مع أوباما وإدارته في حل الصراع العربي الإسرائيلي مادام نتنياهو باقيا على رأس الحكومة الإسرائيلية، وذلك لأن نفوذ الدولة العبرية يفوق ما تخطط له الإدارة الأميركية على الأقل في الظاهر فقط، بعدما تبين أن نتنياهو هو السيد المستتر للبيت الأبيض.
mohd_alzuabi@