خلال تمشينا وقت العصاري بين ربوع وجسور ضفاف أنهار وتحت أشجار اليجا العملاقة، جلسنا ورفيقة دربي وأسفاري (أم أحمد) باستراحة قصيرة قبل الانطلاق لمسافات أخرى.
توقفت أمامنا سيدة عجوز وقورة تصحبها طفلة مرتبة نظيفة ذات ملامح بريئة، بادرونا بعبارتهم المعهودة «السلام عليكم - دوبري دان، تعني مساء الأخير بلغة البوسنة»، وبلا تردد وبكل ترحاب رددنا التحية بأحسن منها، احتراما وعطفا وتعاطفا للضيفين العزيزين وطلعتهما البهية علينا، وللواجب حاولنا محادثتهما بأكثر من لغة نعرفها لنتعرف عليهما بها! لكن الإشارة توصلت للحل الوسط وبعض الكلمات المتصنعة بيننا وبينهم، بأن الجدة يطلق عليها (نانا بالبوسني) واسمها الرسمي (أمينة والطفلة عادلة ذات 4 سنوات) والدها موجود بعمل يومي لأسرته وزوجته الثانية لها طفلان.
أما عادلة يتيمة الأم فترعاها جدتها لأبيها ببيت متواضع قرب والدها واخوتها، واستمرت العجوز الوقورة بالشرح الهادئ والتوضيح الرزين للغالية أم أحمد لعلها تتعرف أكثر على ظروفهم والطفلة المبتسمة لنا ومحاولتها ترديد عبارات وإشارات تغني بها طيور الأشجار حولنا وخرير مياه النهر بيننا ومحاولة الطفلة إمساك يدي لتقبيلها، وكذلك أم أحمد لتوضيح حملها لتقبيل رأسها احتراما وتواضعا للموقف التعارفي، وبمجرد أننا عرفنا الجدة أننا من الكويت زاد تعلقهما بنا لتوضيحهم، أن عادلة بكفالة أحد المحسنين أهل الخير، رجل وامرأته كويتية يقومان بكفالة هذه الطفلة اليتيمة بعد فقدها والدتها، وتكفل معيشتها وجدتها الوقورة، وبمحاولتنا تقديم (المقسوم) لهما رفضتا بشدة وإصرار، لكنني وبغفلة جدتها وكنت أحملها بيدي تجاه النهر والشجر وضعت ما فيه النصيب عني أنا ورفيقة الدرب عيدية لهذه الطفلة البريئة اليتيمة بفقد والدتها، وكذلك فعلت أم أحمد مع الجدة إهداء لعيد الأضحى المبارك، ولمناسبة تعرفنا عليهما على جسر اليجا بمساء مبارك كريم.
ولا تزال نظرات الطفلة وتعابيرها لم تمسح من ذاكرتي وأمام عيني تذكرت بها ظروفها وملامح أحفادي وبناتي وأولادي.
ومواقف أهل الخير للمحتاجين داخل وخارج بلادي لرعاية الأيتام والمرضى، والمسنين والمنكوبين بكل مواقع حاجاتهم وظروفهم.
وودعنا نانا أمينة وطفلتها اليتيمة عادلة بكل رحابة الوداع وكثير الدعاء لهما ولأهل الخير الكثير لرعاية أمثالهما، فيا أهل الخير ببلادي وكل بلاد المخلصين لا حوال لأخوتكم بالإنسانية والدين.
جزاكم الله خيرا في هذه الأيام المباركة.