سعدت بقراءة كلمة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد بمناسبة العشر الأواخر من رمضان، وقد تحدث سموه عن عدة قضايا مهمة تتعلق بالشأن الداخلي للكويت، لكن بعض القضايا التي تناولها كانت في غاية الأهمية وهي – أيضا – لا تتعلق بالكويت وحدها لكنها تعني كل دول الخليج – بصفة خاصة – وكثيرا من دولنا العربية والإسلامية – بصفة عامة.
تحدث سموه عن أهمية الوحدة، كما تحدث عن الآثار المدمرة للنعرات الطائفية، والنعرات القبلية، وحث على عدم بث روح التعصب والفرقة وشق الصف لما لكل ذلك من آثار مدمرة على وحدة الأمة.
إن الذي يتأمل التاريخ يدرك ببساطة أن هلاك الأمم وضياع ملكها إنما يبدأ بالاختلاف بين طوائفها وعندها يبدأ العدو المتربص في تحيّن الفرص للانقضاض على تلك الأمة لأنها أصبحت فريسة سهلة. حدث ذلك للأمويين والعباسيين وللخلافة الأموية في الأندلس، بل وحصل لكل أمة مهما كان دينها أو موقعها أو قوتها.
ولأن بعض دول الخليج تمر – حاليا – بأوضاع مشابهة مهما حاولنا أن نتعامى عنها فإن كلمة صاحب السمو جاءت في وقتها، ولعل هذه الكلمة مع كلمات مخلصة من هنا أو هناك تكون دافعا لعمل جاد يقف ضد النعرات مهما كان نوعها.
الفتنة الطائفية تطل برأسها في الكويت وفي البحرين، اتهامات من هذه الطائفة لتلك، ووصف بالعمالة والوقوف مع الأعداء، وحديث عن مواطنة منقوصة كلٌ يتهم بها الآخر.. وللأسف فقد زادت الأمور وتصاعدت وأخذت أبعادا مؤسفة ما كان ينبغي لها أن تحصل بين أبناء البلد الواحد، أو بينهم وبين قادة بلادهم.
والشيء اللافت للنظر أن الجميع على اختلاف مذاهبهم أو عقائدهم الفكرية يتحدثون عن مخاطر الفرقة وعن أهمية الوحدة الوطنية والتلاحم بين أبناء الوطن الواحد ولكنهم لا يطبقون بشكل جيد كل ما يتحدثون عنه.
الإعلام البحريني يتحدث هذه الأيام عن مخطط إرهابي يستهدف أمن البحرين واستقرارها، والكلمة – بطبيعة الحال – يجب أن تكون للقضاء، وقبل مدة كان المجتمع البحريني منشغلا بالحديث عن فتنة طائفية، وعن تبادل للاتهامات بين الطائفتين السنية والشيعية، والكل يعلم خطورة ذلك الانقسام على كل المواطنين، وبالتالي ما كان يجب أن تصل الأمور الى هذه الدرجة المزعجة.
وفي الكويت جرى حديث طويل عن شبكات تجسس، وعن ولاءات لهذا البلد أو ذاك، وكان الواجب أن يكون حب الكويت هو مظلة الجميع على اختلاف طوائفهم ومناهجهم الفكرية.
دول أخرى تظهر فيها خلافات مذهبية وإن كانت بشكل أخف، كما تظهر فيها خلافات فكرية بشكل واضح، ولو كانت هذه الخلافات تجري تحت مظلة الحوار الهادئ المقبول لكان ذلك ظاهرة إيجابية لكنه – للأسف – يخرج عن إطاره المقبول الى اتهامات متبادلة تصل الى حد التخوين والتكفير ورمي كل فريق الآخر بالانتماءات المعادية لبلده.
إن هذه الأوضاع تعطي انطباعات سيئة عن مستقبل المجتمعات التي تحصل فيها، وهي إن كانت قابلة للسيطرة عليها حاليا فقد لا تكون كذلك في المستقبل، واقرأوا التاريخ إن شئتم.
كل مواطن له حقوق وعليه واجبات، ومن حق المواطن على دولته أن تعامله وفق هذه المعادلة، وعندها ستختفي معظم المظاهر السلبية التي نراها الآن – هكذا أعتقد!
في تاريخنا الإسلامي شواهد على ما أقول، ففي عصر الخلافات الأولى كان يعيش المسلم والكافر، وكانت كل الطوائف حاضرة على اختلاف عقائدها، وكان الجميع يعيشون سواء تحت مظلة الدولة باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.. وفي عصرنا نعيش طوائف متنوعة، في أميركا – مثلا – هناك اختلاف في الديانات والأعراف والتقاليد لكنهم يلقون المعاملة نفسها باعتبارهم مواطنين أميركان، ولم تختلف هذه المعاملة إلا مؤخرا بفعل الظروف السياسية ولكنني أحكم على العموم والسائد.. من المهم أن نستفيد من تلك التجارب إذا أردنا أن نصل الى النتائج نفسها.
وأتفق مع ما قاله صاحب السمو من أهمية الاستفادة من هذا الشهر الكريم ونحن نعيش آخر أيامه في إشاعة قيمة الحوار والقيم الإسلامية الرائعة التي نؤمن بها لكي نصفي نفوسنا من كل الأحقاد، ونبتعد عن كل أنواع الفتن التي تفرق مجتمعاتنا وتضعفنا جميعا، ولعلنا – جميعا – نضع إسلامنا الرائع أمام أعيننا لنطبقه قولا وعملا، وعندها سنبني مجتمعا قويا يحترمنا – عند ذلك – الكل، ولا نكون أمة ضعيفة لا قيمة لها.
[email protected]