تؤكد حركة التاريخ أن الجائع يفعل أي شيء للحصول على قوته، والفقر قرين الكفر كما روي عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، «وليس بعد الكفر ذنب»، وهذا يؤكد أن ثورة الجياع تكون مدمرة لا هوادة فيها لأن الذي لا يملك شيئا لا يخاف على أي شيء.
والشعوب الجائعة لا تستطيع الصبر طويلا، لاسيما إذا عرفت أن هذا الجوع مفروض عليها بسبب سرقة أموالها، فإذا أضيف الى الجوع دكتاتورية رهيبة يمارسها بعض الحكام فلنا أن نتخيل كيف ستكون ثورة الشعوب الجائعة!
في التاريخ الحديث أن ملكة فرنسا «ماري انطوانيت» زوجة الملك لويس السادس عشر وقفت على شرفة قصرها وأطلت على الجموع الغاضبة بسبب الجوع ـ ولم تكن تعرف ماذا يحدث ـ فسألت عن سبب تجمعهم، فلما قيل لها: إنهم جائعون، قالت: لماذا لا يأكلون كعكا؟ وكان نتيجة الظلم الذي مورس على الفرنسيين قيام ثورة كبيرة، وقتل الملكة وزوجها بحد المقصلة!
وأمامنا اليوم مثل حي في تونس، شاب أقدم على حرق نفسه بسبب الجوع، وبسبب الحكم الظالم أيضا، وكان ما فعله بنفسه الشرارة الأولى التي أحرقت الظلم الذي مورس عليها أكثر من عشرين عاما.
الرئيس التونسي السابق «زين العابدين بن علي» كذب على شعبه كثيرا، ونهب أموال المواطنين لصالحه وصالح أفراد من أقاربه وأصدقائه، وأكثر من هذا كله سجن المواطنين في سجن كبير وأحصى عليهم أنفاسهم، بل وضيق عليهم في دينهم وعباداتهم ففعل ما لا يمكن أن يتخيله أحد، فاق فيه كثيرا مما فعله أكثر الطغاة قبله، فكان لابد أن يصل إلى النتيجة المخزية التي وصل إليها.
وكغيره من الطغاة، وقف ذليلا ليقول كلاما لا يمكن تصديقه، ادعى أن هناك من خدعه من المقربين إليه، ووعد بتحسين أوضاع المواطنين، وإطلاق الحريات العامة، وإيجاد عمل للعاطلين وغير ذلك من الوعود التي لم يصدقه فيها أحد.
هذا منطق الطغاة.. أليس هو الذي قرب كل من حملهم أوزاره؟! ثم من منعه ومن يمنع سواه أن يبحثوا عن المؤهلين الوطنيين المخلصين؟ إنهم لا يريدون أمثال هؤلاء، ألم يكن يعرف هذا الرئيس الحالة المتردية لشعبه؟! فإذا كان يعرف ويسكت فهو لا يصلح لرئاستهم، والشيء نفسه إن لم يكن يعرف.
هرب زين العابدين لا يلوي على شيء، تبرأ منه أقرب الناس إليه، واعتذروا عن إيوائه، وهذا شأن الطغاة في كل زمن، ولو أن هذا الطاغية كان يملك شيئا من العقل لاعتبر بالطاغية قبله شاه إيران، لكن الله يريد لهولاء الهوان، (ومن يهن الله فما له من مكرم).
مضى هذا الطاغية، وبدأت كل وسائل الإعلام تنشر تاريخه الاسود، وستفعل وسائل الإعلام التونسية الشيء نفسه، ولكن ذهابه غير المتوقع يجب أن يكون عبرة قوية للحكام وللشعوب في الوقت نفسه.
بعض دولنا العربية مرشحة لثورات الجياع، وهناك بوادر في هذا البلد أو ذاك، في الأردن مظاهرات تطالب بتحسين أوضاع المواطنين، ومثلها في الجزائر ومصر.. الأردن بدأ فعلا في تحسين أشياء أخرى، ومثلها بدأت تفعل الجزائر، لكن مصر استمرت تكابر مع أن هناك تخوفات واضحة من تكرار تجربة تونس في مصر، فالرئيس المصري اجتمع مع وزيري الدفاع والداخلية وطالبهما بالتنسيق مع بعضهما في حالات الطوارئ، وكذلك طالب بتخفيف الضرائب على المواطنين، وأقول: من مصلحة مصر أن تفعل كل شيء من أجل مواطنيها لاسيما وهي دولة غنية بكل المقاييس لكن الفساد هو الذي أضعفها كثيرا.
مرة أخرى.. أدعو كل الحكام إلى سماع ردة فعل الشعوب العربية على ما حصل في تونس.. عليهم أن يلاحظوا فرحتهم الكبيرة.. وأخيرا عليهم أن يعيدوا النظر في كل المفاسد التي تلحق بشعوبهم.
عليهم ـ أيضا ـ أن يلاحظوا ردة فعل حليفهم «أميركا» وهي ـ أيضا ـ حليفة «زين العابدين» كيف كانت؟ وكيف وضعوا حكمه؟ ولكن بعد فوات الأوان، وليتها تفعل ذلك في الأوقات المناسبة.
ألطف ردة فعل سمعتها كانت من «القذافي» حيث رأى أن من واجب التوانسة أن يبقوا رئيسهم مدى الحياة! يعني مثله تماما، ومثل ما يطالب به البعض في اليمن بالنسبة للرئيس «علي عبدالله صالح».
على أي حال ـ ما حدث في تونس لم يكن يتوقعه أحد، ولهذا فالعبرة فيه أكثر من سواه.. عبرة للحكام والمحكومين على حد سواء.
[email protected]