مازال الحديث عن ثورة تونس واحداثها مسيطرا على الشارع العربي كله، وأعتقد ان هذه الاحداث ايضا قد استأثرت ـ ولا تزال ـ بمعظم اهتمام حكام العرب، ولعل الكل يسأل نفسه: أين موقعي من تلك الاحداث؟ وهل سيصل الي شرارها؟!
واملي ان يصل التونسيون الى آمالهم التي بذلوا دماءهم من أجلها، وأن يتحقق لهم الامن والحرية والعيش الكريم، هذه القيم الانسانية التي فقدوها منذ عشرات السنين، وهاهم اليوم يقتربون منها كثيرا.
الذي ساءني كثيرا وانا ارقب هذه الاحداث التي هزت العالم كله موقف معظم علماء المسلمين الذي كان باهتا وسلبيا الى حد كبير، وكأن هؤلاء يتحدثون بلسان غيرهم، او كأنهم لا يعيشون في هذا العالم.. قليل منهم فعلوا غير ذلك، وعلى استحياء شديد! وللانصاف فإني اعني بـ «العلماء» موظفي الحكومات ـ واشباههم ـ اما من خرج عن نطاق هذه الدائرة فله شأن آخر.
الذين تحدثوا عن احداث تونس من «العلماء» ركزوا على ظاهرة الانتحار، وأطالوا في تفاصيل احكامها الشرعية، ووصلوا في نهاية المطاف ـ أو الهدف ـ الى ان الاسلام حرم الانتحار مهما كانت الاسباب والدوافع! بعضهم تقدم خطوة اخرى، فطلب من عامة المسلمين ـ ومنهم التونسيون ـ ان يصبروا على كل ما يلقونه من حكامهم حتى لا تعم الفوضى ـ أولا ـ ولان هؤلاء الحكام هم ولاة امرهم الشرعيون مهما فعلوا، ومهما حاربوا الاسلام!
كنت اتمنى من هؤلاء ان تكون لهم أعين يرون بهما كل ما حدث في تونس، ويعرفون لماذا يقدم انسان على حرق نفسه، وما الظروف القاسية التي توصله الى اختيار هذا الطريق؟
كنت اتمنى عليهم ان يتحدثوا عن احكام الظلم الذي يمارسه بعض الحكام، واحكامه الشرعية، وطرق التعامل معه، والموقف من الحكام الذين يفعلون ذلك.
كان من المهم ان يتحدثوا عن احكام مصادرة حق الشعوب في العيش الكريم وحقهم في الحرية والكرامة، وحقهم في ان يجد كل واحد تعليما لابنائه، ومستشفى جيدا يلجأ اليه وقت الحاجة.. لكنهم للاسف كانوا «عورا» لا يرون الا بعين واحدة، ولهذا كان كلامهم مقيتا لا قيمة له.
الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو الذي تحدث اكثر من مرة عن احداث تونس، وهو الذي دعا بالرحمة لمحمد بوعزيزي، وطالب بالدعاء له بالمغفرة، موقفه من حكم الانتحار كان التحريم لكنه فرق بين انتحار وآخر.
الشيخ القرضاوي هو الذي طالب في خطبة الجمعة باستمرار مسيرة الثورة حتى تحقق كل اهدافها، كما طالب التونسيين بألا يبقوا «كهنة الصنم» الذين آزروه في طغيانه عشرات السنين.
لكن نائبه «سلمان العودة» لم يكن مثله! مجد الصنم الأكبر قبل سقوطه، ونفى ما يقال عنه، لكن الذي يحسب له انه تراجع عن كل اقواله السابقة ولكن.. بعد سقوط الصنم!
الاعلام العربي ـ وهو الذي يعنيني الآن – لم يكن منصفا الا «قناة الجزيرة» اما بعض القنوات الاخبارية فقد كانت منحازة بشكل واضح! وقفت الى جانب «الصنم» بدعوى الحيادية، لكنها اضطرت الى ان تتحول ـ قليلا ـ بعد سقوطه.. كانت بعض الاهواء الفاسدة وراء كل تلك المواقف. الذي يحسب لتلك الثورة انها بدأت تؤثر في سلوك بعض الدول العربية تجاه شعوبها.. البعض خفف الاسعار، والبعض الآخر خفف بعض القيود!
وقمة شرم الشيخ الاقتصادية التي دعت لها الكويت تحدثت كثيرا عن موضوع الفقر والبطالة وكذلك تطوير التعليم والصحة وغير ذلك.
الشعوب العربية سئمت الاقوال وما عادت تصدقها.. تريد افعالا تحقق لها العيش الكريم والحريات الاساسية.. تريد ان تكون عزيزة في بلادها، هي التي تصنع مستقبلها بعيدا عن الآخرين.. بغير ذلك فإن صبرها قد لا يستمر طويلا.
[email protected]