علي ان اقول – في البداية – انني احب مصر كثيرا، تعلمت على اساتذتها صغيرا في بلدي، ثم تعلمت على ايد اساتذتها كبيرا في مصر، وأحتفظ لها بكثير من الذكريات الجميلة، ولهذا فان ما يجري فيها الآن كان مؤلما لي كثيرا، وما كان يحدث فيها قبلا كان مولما ايضا.
اخطاء كثيرة ارتكبتها الحكومة في الانتخابات الأخيرة، كانت التزويرات شديدة الوضوح، وفقدوا بهذا العمل المزري تيارات واسعة من ابناء الشعب وظهرت اثار ذلك في ثورة المصريين الحالية.
ومن المخجل ان يتصدى مجموعة لتبرير كل تلك التجاوزات، والاسوأ الاستهزاء بكل القوى الاخرى باعتبار انها لا قيمة لها والا لحصلت على اصوات المواطنين.
وفي خضم الثورة القائمة والدماء تنزف ومئات الآلاف ينزلون الى الشوارع في كل محافظات مصر يخرج البعض ليقول كلاما غير منطقي في وصف ما يجري، وبعضهم حمل الاخوان المسلمين مسؤولية كل ما جرى في مصر وانهم وراء كل من خرج الى الشارع، والعجب ان هؤلاء الاشخاص انفسهم هم من كانوا يقولون ان الاخوان لم يعد لهم وجود في الشارع والا لكانوا وجدوا من يصوت لهم، والعجب كيف يكون الاخوان بذلك الضعف ثم يصبحون هم من يقود الشارع المصري كله.
هؤلاء المنافقون ومن كل التيارات هم من أوصل مصر الى هذه الحالة المتردية التي دفعت وستدفع مصر وشعبها ثمنا غاليا من اجلها وهذا الصنف من المنافقين هم من اسقط حكومة بن علي «وهم من سيسقط كل الحكومات السيئة التي لا تقيم لشعوبها وزنا».
كلامي هذا لا يعني ان الحاكم غير مسؤول عما يحصل في بلده، لانه – بكل بساطة – هو من عين هؤلاء، وهو من اعطاهم السلطة.
واذا كان كل حاكم يدعي انه يعمل من اجل شعبه ليلا ونهارا فلماذا لا يترك هذا العمل وينصرف الى سواه وهو يرى ان شعبه لا يريد منه ان يستمر في خدمتهم؟ لماذا يريد ان يخدمهم رغم انوفهم؟!
المنافقون في مصر بدأوا في الهرب، حملوا ما خف حمله وغلا ثمنه واخذوا عوائلهم معهم وتخلوا عن رئيسهم الذي يصر على خدمة الشعب حتى آخر رمق في حياته، ففي الأزمات ينسى هؤلاء المنافقون كل شيء الا الحرص على الاموال التي سرقوها من اقوات الشعوب الجائعة.
مصر بلد عظيم ومن الظلم الاساءة اليه بتلك الصورة، ولكن من المسؤول؟ الشعب ام الحاكم؟!
اتألم وأنا اشاهد الحرائق الهائلة في المباني الحكومية لانها بنيت من دماء الشعب وعرقه، ولكن هذا الشعب يحرق رموز الظلم التي اهانته عشرات السنين، مراكز الشرطة، ومباني الحزب الحاكم والشعب يغلي من القهر ولا قيادة له، ويريد التعبير عن غضبه فلا يجد الا هذه الوسيلة السيئة، لانه يحرق ما دفع ثمنه.
شباب مصر متحضرون – غالبا – عبروا عن مطالبهم بهدوء ولو لم يواجهوا بعنف لما حصل ما حصل، لكنه الجهل والغطرسة «شوية عيال» كما قال بعضهم.
ليت الرئيس يتخلى عن تلك السلطة ويحفظ لشعبه حقوقه، ويعمل على اجراء اصلاحات حقيقية سريعة ثم يرحل بعيدا وقد ترك اثرا طيبا يذكره له هذا الشعب.
لست ادري اين ستتجه رياح التغيير التي بدأت من تونس ثم مصر، ولكني اتمنى من كل حكام العرب يبادروا الى عمل تغييرات حقيقية تحفظ للشعوب حقوقها في عيش كريم، وفي حرية دائمة، ومن دون ذلك قد يدفعون بلادهم الى فوضى ودمار، ويسيئون الى انفسهم كثيرا، والعاقل من اتعظ بغيره.
[email protected]