ومنذ البداية فأنا أتحدث عن الحكومة الأميركية وليس عن الشعب الأميركي الذي يغلب عليه الطيبة وحب العدالة ولولا انه مغيب عن كثير مما تقوم به حكوماته لما قبل بكثير من تصرفاتها الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني، وصمتها عن بعض ما يجري من انتهاكات لحرية الإنسان في بعض بلادنا تبعا لمصالحها مع تناقض كل ما تفعله مع ادعاءاتها بحماية الحريات العامة للإنسان!
معظم العرب يرون أن إسرائيل هي عدوهم الأول، والذاكرة العربية لم تنس الجرائم الكبرى التي ارتكبها الصهاينة بحق الفلسطينيين عموما وبحق العرب في بعض الأحيان، منذ احتلال فلسطين عام 1948 وحتى الآن. لكن الذاكرة العربية بما فيها الذاكرة الفلسطينية تدرك انه لولا المواقف المخزية التي وقفتها الحكومات الأميركية المتعاقبة الى جانب الصهاينة لما استطاعوا أن يرتكبوا كل تلك الجرائم وهم يشعرون بأنهم في مأمن من العقوبة.
من كان يظن أن الحكومة الأميركية ستقف بكل وقاحة الى جانب الصهاينة وهم يقصفون شعب غزة بكل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا؟! ومن كان يظن انها ستقف ضد أي إدانة للصهاينة مهما كان نوعها؟!
السيد «أوباما» تحدث أكثر من مرة عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود 67، كما وعد ايضا بأن القدس ستكون عاصمة للدولتين اليهودية والفلسطينية.. ومن وعوده المتلاحقة انه سيقف ضد الاستيطان لأنه غير مشروع، ومناف لكل القوانين الدولية ومعطل للصلح مع إسرائيل! لكن هذا الرئيس لم يكن صادقا على الإطلاق.
من كان يصدق ان أميركا بعد كل تلك التعهدات الصريحة ـ تستخدم حق النقض ضد مشروع يدين الاستيطان الإسرائيلي؟! العالم كله أدان هذا الاستيطان إلا أميركا! وكانت تبريراتهم لهذا الموقف مثيرة للاشمئزاز! قالت سفيرتهم: إن هذا الموقف لا يعني تأييد أميركا للأنشطة الاستيطانية! إذن ماذا يعني يا حضرة السفيرة؟! وماذا يعني الفرح الشديد الذي عبرت عنه إسرائيل من ذلك الموقف؟!
ولم تكتف السفيرة بتلك الأقوال المخزية بل عادت لتكرار اسطوانة أميركا المشروخة وهي: المفاوضات المباشرة بين السلطة والصهاينة، وكأن هذه السفيرة لا تعرف نتيجة تلك المفاوضات طيلة الثلاثين سنة الماضية وحتى الآن.
حتى الاتحاد الأوروبي وعلى لسان ممثلته للسياسة الخارجية استنكرت وأسفت للموقف الأميركي، وأكدت ان عملية الاستيطان تمثل عقبة في وجه السلام وتشكل تهديدا لحل الدولتين.
أميركا تفعل كل شيء من أجل الصهاينة بعيدا عن كل القيم والأخلاق والقوانين الدولية، ولكن.. لماذا تفعل كل ذلك؟ باختصار ـ كما أرى ـ فأميركا لا تقيم وزنا للعرب جميعا، وهي ترى انها تأخذ منهم كل شيء دون ان تقدم لهم شيئا وهم سعيدون بذلك!
ومادام الأمر هكذا فلماذا تقف الى جانبهم؟! لكن الصهاينة يطالبونها بالكثير، ويضغطون عليها بكل الطرق لكي تعبر عن كل آمالهم، مع ان اسرائيل عالة عليهم ـ عكس العرب ـ إلا انهم لا يردون لها طلبا!
من المسؤول إذن عن كل تلك المخازي التي نراها؟ العرب ـ وحدهم ـ هم المسؤولون لأن مواقفهم السيئة هي التي جعلت أميركا تفعل ما تريد دون تردد.
مواقف السلطة الفلسطينية سيئة جدا، تشبثت بأميركا بكل قوة، وساعدت الصهاينة كثيرا، وابتعدت عن جزء كبير من أبناء فلسطين استجابة لضغوط صهيونية فماذا جنت من كل ذلك؟
مصلحة السلطة وكل الفلسطينيين في أن يتخذوا مواقف حاسمة بعد كل مواقف أميركا المخجلة، وتعنت الصهاينة، ويبتعدوا عن كل صلة مع الصهاينة، ويتحدوا بعضهم البعض فقوتهم في اتحادهم.
وعلى العرب أن يعرفوا ان الوقوف المطلق الى جانب الحكومة الأميركية ليس في صالحهم، فهم سيفقدون حب شعوبهم واحترامها لهم، كما سيفقدون ولاءها لهم، فالعرب لم يعودوا يطيقون المهانة التي تحيط بهم بسبب مواقف بعض حكوماتهم، والعاقل منهم من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه!
أميركا.. مع الصهاينة ضد الفلسطينيين.. وأميركا هي التي تسببت في فصل جنوب السودان عن شماله.. وهي التي تسعى الى فصل دارفور عن حكومة السودان، أميركا هي التي احتلت العراق، وقتلت عشرات الآلاف من أبنائه.. وهي التي تعمل على تجزئته الى دويلات هزيلة!
أميركا فعلت الكثير من أجل تمزيق العرب ودولهم.. وفعلت الكثير من أجل الصهاينة ومطامعهم في كل بلادنا العربية.. أميركا هي التي زرعت إسرائيل ووقفت معها بكل قوة، وستبقى كذلك ما لم يتغير العرب لتكون مصالحهم هي العليا ولا شيء آخر، ولولا أميركا لما بقيت إسرائيل.. واخيرا ألا يحق لكل عربي أن يتساءل: من هو عدونا؟ إسرائيل أم أميركا؟!
[email protected]