محمد الحسيني
في عالم السياسة يرتقي العظماء من حالة الفرد إلى مصاف المدرسة ذات النهج الملهم، ويقدمون للأجيال المعاصرة وللتاريخ نماذج في صوابية المواقف وحكمة القرار.. وعلى مدى عقود أسس الراحل الكبير جاسم محمد عبدالمحسن الخرافي، رحمه الله وطيّب ثراه، مدرسة مرتكزاتها العقلانية والإيجابية والاعتدال.
نبعت عقلانيته من سموّ أخلاقه، شكلاً بابتسامته الشرحة والمتفائلة التي لم تكن تفارقه وبتواضع لم تغيره يوماً لا الثروة ولا السلطة، ومضموناً في إصراره على جعل المصلحة الوطنية ممراً إلزامياً لأي قرار يتخذه.
وتجلّى اعتداله في تبديد كل احتقان سياسي أو طائفي أو عنصري، محلياً كان أو إقليمياً، فكان دائماً شخصية جامعة، يفتح قلبه وعقله للكل بأعلى قدر من رحابة الصدر وسعة الأفق.
أما إيجابيته فتكرّست بشعار التعاون الذي رفعه على الدوام كرجل دولة استثنائي.
طوال مسيرته المضيئة، سخّر الفقيد الكبير خبرته السياسية الفذّة في مدّ جسور الثقة عند كل تحدٍ، وفي خلق مساحات التوافق عند كل خلاف، متعالياً على التجريح والشخصانية.
عزز ثقافة العمل البرلماني المؤسسي وفق رؤية ثاقبة وبمناقبية عالية أكسبته أعلى درجات الاحترام والتقدير.
تخطت سمعة العم جاسم الخرافي، رحمه الله، وإسهاماته وأصداء مواقفه حدود الكويت إلى العالم، هذا العالم الذي عرفه رجلاً جليلاً، حكيماً ومنسجماً مع قناعاته ومبادئه التي لم يحد عنها يوماً.
ويحق للكويت التي تفتخر بديموقراطيتها الفريدة والرائدة على مستوى المنطقة أن تعتزّ بابنها البار الذي ساهم في رفع لواء هذه الديموقراطية وتمثيلها بأفضل صورة خلال رئاسته الناجحة للسلطة التشريعية.
محظوظون من عرفوا الراحل الكبير عن قرب وحاوروه واستمعوا إليه، وأفتخر بأنني منهم.
واليوم، رحل عنا، وعزاؤنا أنه ترك ما يكفي من مآثر تبقيه في كل قلب وذاكرة.. ذاكرتنا كأفراد وذاكرة أمة يفجعها اليوم غياب إنسان يختصر معاني العطاء والوفاء.