أتابع الأعمال الكوميدية مثل كل محب للحياة والضحك الذي يجسد إحدى نعمها. وتشكل الكوميديا كفن مهم رافدا مغذيا لشغف القراءة والاستماع والمشاهدة. هناك شعوب تتسم بخفة الظل وتحترف النكتة، ومع ذلك فليس كل ما يضحك فنا. عزز انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة الهزل المبتذل والمفتعل الذي يشكل نقيضا للفن الممتع والراقي وتهديدا للكوميديا الأصيلة ولعفوية الناس العاديين!
قد يسأل سائل عن معيار التمييز بين ما هو هزلي وما هو كوميدي، باختصار ودون مقدمات هو الذكاء.. نعم الذكاء الكوميدي، الذكاء في التأليف وفي توظيف الطرافة واستخدام اللفظ والتعبير الحركي مهما بلغا من جرأة في سياقهما الطبيعي وغير المفتعل.
تحاكي الكوميديا الحقيقية العقل والفكر وتبعث على الإعجاب بمقدمها، كاتبا أو ممثلا أو مذيعا.
كان عظماء المسرح، مثل موليير، يقضون شهورا منهكة لإضحاكنا بابتكار المواقف والحوارات، وحولوا الخشبة إلى عالم للإبداع يستحث التفاعل والتفكير والتحليل إلى جانب انتزاعه الضحكة من القلب.
أحترم الكتاب والمسرحيين الذين يجتهدون في العمل على نصوصهم طويلا ويعتنون بتفاصيلها السمعية والبصرية قبل إلقائها علينا.
يفتقر عالمنا العربي بشدة اليوم الى كوميديا كهذه في التلفزيون والمسرح على حد سواء، وعمق طوفان الاستظراف الذي يغرقنا في وسائل التواصل من سوء الواقع.
في الخليج العربي، أقرب نموذج حالي يبقي الأمل في متابعة كوميديا ذات معنى هو ما يقدمه الفنان حسن البلام وفريقه الذين يجهدون لتقديم الأفضل في بلد قدم مدرسة اسمها عبدالحسين عبدالرضا وأسماء كبيرة. تعجبني عناية حسن البلام بنصوصه وعناصر أعماله بحيث يقدمها دائما في قالب هادف، نخرج في نهايته غالبا بما يفيدنا ويفرغ ما في داخلنا من شحنات سخط على الواقع. ويبقى عربيا النجم عادل إمام بإرثه الكبير عنوانا كبيرا ومؤثرا.
الكوميديا متنفس، وكلنا نحتاج لأن نتنفس كوميديا نقية ومشغولة باحتراف تبقى في ذاكرة الأجيال وتكون شاهدا حيا على العصر وليس خيال مآتة!
[email protected]